للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَخَبَّابَ وَأَقْرَانَهُمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ, ثُمَّ صَارَ هَذَا الِاسْمُ عَامًا لِكُلِّ مَنِ اتَّبَعَ مَذْهَبَهُمُ الفاسد وسلك طريقهم الْخَائِبَةَ.

وَكُلُّ ذَنْبٍ يُكَفِّرُونَ بِهِ الْمُؤْمِنِينَ فَهُوَ تَكْفِيرٌ لِأَنْفُسِهِمْ مِنْ وُجُوهٍ عَدِيدَةٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ:

فَمِنْهَا أَنَّ تَكْفِيرَ الْمُؤْمِنِ إِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ كَفَرَ فَاعِلُهُ كَمَا فِي الْحَدِيثِ "أَيُّمَا امْرِئٍ قَالَ لِأَخِيهِ: يَا كَافِرُ, فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا إِنْ كَانَ كَمَا قَالَ, وَإِلَّا رَجَعَتْ عَلَيْهِ" ١.

وَمِنْهَا أَنَّ مِنْ أَكْبَرَ الْكَبَائِرِ الَّتِي يُكَفِّرُونَ بِهَا الْمُؤْمِنِينَ قَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَهُمْ أَسْرَعُ النَّاسِ فِي ذَلِكَ يَقْتُلُونَ أَهْلَ الْإِيمَانِ وَيَدَعُونَ أَهْلَ الْأَوْثَانِ. وَمِنْهَا أَنَّ الْمُؤْمِنَ وَإِنْ عَمِلَ الْمَعَاصِي فَهُوَ لَا يَسْتَحِلُّهَا وَإِنَّمَا يَقَعُ فِيهَا لِغَلَبَةِ نَفْسِهِ إِيَّاهُ وَتَسْوِيلِ شَيْطَانِهِ لَهُ وَهُوَ مُقِرٌّ بِتَحْرِيمِهَا وَبِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنَ الْحُدُودِ الشَّرْعِيَّةِ فِيمَا ارْتَكَبَهُ, وَهُمْ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ قَتْلَهَا إِلَّا بِالْحَقِّ, وَيَأْخُذُونَ الْأَمْوَالَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ أَخَذَهَا إِلَّا بِالْحَقِّ, وَيَفْعَلُونَ الْأَفَاعِيلَ الْقَبِيحَةَ مُسْتَحِلِّينَ لَهَا, وَالَّذِي يَعْمَلُ الْكَبِيرَةَ مُسْتَحِلًّا لَهَا أَوْلَى بِالْكُفْرِ مِمَّنْ يَعْمَلُهَا مُقِرًّا بِتَحْرِيمِهَا بَلْ لَا مُخَالِفَ فِي ذَلِكَ إِذْ هُوَ تَكْذِيبٌ بِالْكِتَابِ وَبِمَا أَرْسَلَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ رُسُلَهُ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ, وَإِنَّمَا تَوَقَّفَ الصَّحَابَةُ عَنْ تَكْفِيرِ أَهْلِ النَّهْرَوَانِ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَتَأَوَّلُونَ فَحَكَمُوا أَنَّهُمْ بُغَاةٌ.

"مَارِقٍ" اسْمُ فَاعِلٍ مِنَ الْمُرُوقِ وَهُوَ الْخُرُوجُ مِنْ جَانِبٍ غَيْرِ مَقْصُودٍ الْخُرُوجُ مِنْهُ, وَسُمِّيَ الْخَوَارِجُ "مَارِقَةً" لِقَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيهِمْ: "يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ" وَقَوْلُهُ: "تَمْرُقُ مَارِقَةٌ"٢ الْحَدِيثَ.

فَفِي الصَّحِيحِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: أَتَى رَجُلٌ


١ البخاري "١٠/ ٥١٤" في الأدب، باب من كفر أخاه بغير تأويل فهو كما قال، ومسلم "١/ ٧٩/ ح٦٠" في الإيمان، باب بيان حال إيمان من قال لأخيه المسلم: يا كافر.
٢ تقدم تخريج أحاديث الخوارج سابقا وسيأتي بعد قليل.

<<  <  ج: ص:  >  >>