للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"مَنْ كَانَ" بِمَعْنَى صَارَ "لِلرَّسُولِ" صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "فِي مَكَانِ" أَيْ: مَنْزِلَةِ "هَارُونَ مِنْ مُوسَى" عَلَيْهِمَا السَّلَامُ فِي الِاسْتِخْلَافِ, فَمُوسَى اسْتَخْلَفَ هَارُونَ فِي مُدَّةِ الْمِيعَادِ, وَمُحَمَّدٌ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اسْتَخْلَفَ عَلِيًّا فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ, فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ, صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: "أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى؟ " ١.

وَفِيهَا مِنْ رِوَايَةِ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَرَجَ إِلَى تَبُوكَ وَاسْتَخْلَفَ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ, فَقَالَ: أَتَخْلُفْنِي فِي الصِّبْيَانِ وَالنِّسَاءِ؟ قَالَ: "أَلَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى, إِلَّا أَنَّهُ لَيْسَ بِنَبِيٍّ بَعْدِي" ٢ هَذَا الِاسْتِثْنَاءُ يُزِيلُ الْإِشْكَالَ مِنَ الرِّوَايَةِ الْأَوْلَى, وَيُخَصِّصُ عُمُومَ الْمَنْزِلَةِ بِخُصُوصِ الْأُخُوَّةِ وَالِاسْتِخْلَافِ فِي أَهْلِهِ فَقَطْ لَا فِي النُّبُوَّةِ كَمُشَارَكَةِ هَارُونَ لِمُوسَى فِيهَا إِذْ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى لِمُوسَى: {اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي} [طه: ٣١] وَقَالَ لَهُمَا: {فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الشُّعَرَاءِ: ١٦] وَلِهَذَا قُلْنَا: فِي الْمَتْنِ "لَا فِي نُبُوَّةٍ" لِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى فِيهَا, فَلَا تَتَوَهَّمْ ذَلِكَ مِنَ اقْتِصَارِي عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى, "فَقَدْ قَدَّمْتُ" فِي فَصْلِ النُّبُوَّةِ "مَا يَكْفِي" فِي هَذَا الْبَابِ "لِمَنْ مِنْ سُوءِ ظَنٍّ" بِأَخِيهِ الْمُسْلِمِ "سَلَّمَا" وَهُوَ قَوْلِي:

وَكُلُّ مَنْ مِنْ بَعْدِهِ قَدِ ادَّعَى ... نُبُوَّةً فَكَاذِبٌ فِيمَا ادَّعَى

وَمَا بَعْدَهُ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} [الْحَجِّ: ١٩] عَنْ قَيْسِ بْنِ عَدِيٍّ عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يُقْسِمُ فِيهَا أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي حَمْزَةَ وَصَاحِبَيْهِ وَعُتْبَةَ وَصَاحِبَيْهِ, بَرَزُوا فِي يَوْمِ بَدْرٍ٣.


١ البخاري "٧/ ٧١" في فضائل الصحابة، باب مناقب علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ومسلم "٤/ ١٨٧٠/ ح٢٤٠٤" فيه، باب من فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
٢ البخاري "٨/ ١١٢" في المغازي، باب غزوة تبوك، ومسلم "٤/ ١٨٧١/ ح٢٤٠٤" في فضائل الصحابة، باب من فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
٣ البخاري "٨/ ٤٤٣" في تفسير سورة الحج، باب قوله تعالى: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا} ، وفي المغازي، باب دعاء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على كفار قريش، ومسلم "٤/ ٢٣٢٣/ ح٣٠٣٣" في التفسير، باب =

<<  <  ج: ص:  >  >>