وَالْبَدِيعِ كُلٍّ بِحَسَبِهِ وَتَعْرِيفِهِ فِي فَنِّهِ. وَقَوْلُنَا: "سَمَا مَبَاحِثِ الْأُصُولِ" وَصْفٌ لَهُ بِالسُّمُوِّ وَهُوَ الْعُلُوُّ إِشَارَةً إِلَى أَنَّهُ أَعْلَى الْعُلُومِ وَأَهُمُّهَا وَأَوْجَبُهَا وَأَلْزَمُهَا لِأَنَّهُ مَعْرِفَةُ مَا خَلَقَ اللَّهُ لَهُ الْخَلْقَ وَالدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ وَالْجَنَّةَ وَالنَّارَ، وَبِهِ أَرْسَلَ اللَّهُ الرُّسُلَ وَأَنْزَلَ الْكُتُبَ، وَفِيهِ وَلَهُ شُرِعَ الْجِهَادُ، وَعَلَيْهِ يُرَتَّبُ الْجَزَاءُ مِنَ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَحَقِيقٌ بِعِلْمِ هَذَا قَدْرُهُ أَنْ يَكُونَ هُوَ أَوَّلَ مَا يَهْتَمُّ بِهِ الْعَبْدُ وَأَعْظَمَ مَا يَبْذُلُ فِيهِ جُهْدَهُ وَيُنْفِقُ فِيهِ عُمْرَهُ حَتَّى يَمُوتَ عَلَى ذَلِكَ. وَنَاسِبَ تَسْمِيَةَ الشَّرْحِ بِمَعَارِجِ الْقَبُولِ؛ لِأَنَّ الْعُرُوجَ هُوَ الصُّعُودُ وَالْمَعَارِجُ الْمَصَاعِدُ فَكَانَ الْقَارِئُ فِي هَذَا الشَّرْحِ يصعد في هذا السُّلَّمِ. وَأُضِيفَتِ الْمَعَارِجُ إِلَى الْقَبُولِ لِمُنَاسَبَةِ الْوُصُولِ؛ لِأَنَّ مَنْ لَمْ يُقْبَلْ لَمْ يَصِلْ بَلْ يُرَدُّ أَوْ يَنْقَطِعُ.
"وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى" جَزِيلِ النِّعْمَةِ الَّتِي مِنْهَا أَنْ قَدَّرَ "انْتِهَائِي" أي: إتمامي هذا الْمَتْنَ الْمُشْتَمِلَ عَلَى مَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَدِينِهِ وَرَسُولِهِ, صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "كَمَا حَمِدْتُ اللَّهَ فِي ابْتِدَائِي" فِي نَظْمِهِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَذَلِكَ اقْتِدَاءٌ بِكَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى حَيْثُ افْتَتَحَ ذِكْرَ الْخَلْقِ بِالْأَمْرِ فَقَالَ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} [الْأَنْعَامِ: ١] وَخَتَمَ ذِكْرَهُمْ فِيمَا يَنْتَهُونَ إِلَيْهِ مِنَ الدَّارَيْنِ بِالْحَمْدِ فَقَالَ: {وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [يُونُسَ: ١٠] . "أَسْأَلُهُ" أَيْ: أَسْأَلُ اللَّهَ "مَغْفِرَةَ" أَيْ: مَغْفِرَتَهُ تَعَالَى "الذُّنُوبِ" ذُنُوبِي وَجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ، وَالْمَغْفِرَةُ سَتْرُ الذَّنْبِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَالْعَفْوُ عَنْهُ وَعَدَمُ الْمُؤَاخَذَةِ بِهِ "جَمِيعِهَا" مِنْ صَغَائِرَ وَكَبَائِرَ، وَالِاسْتِغْفَارُ مِنْ أَعْلَى أَنْوَاعِ الذِّكْرِ "وَالسَّتْرَ" مِنْهُ تَعَالَى "لِلْعُيُوبِ" مِنِّي وَمِنْ جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ. "ثُمَّ" عَطَفَ عَلَى الْحَمْدِ وَالِاسْتِغْفَارِ "الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ" تَقَدَّمَ مَعْنَاهُمَا "تَغْشَى الرَّسُولَ الْمُصْطَفَى مُحَمَّدَا" تَغْمُرُهُ مِنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ "ثُمَّ" تَغْشَى "جَمِيعَ صَحْبِهِ وَالْآلِ" تَقَدَّمَ تَعْرِيفَهُمَا "السَّادَةِ" جَمْعُ سَيِّدٍ وَهُوَ النَّقِيبُ الْمُقَدَّمُ "الْأَئِمَّةِ" الْمُقْتَدَى بِهِمْ فِي الدِّينِ "الْأَبْدَالِ" أَوِ الْأَوْلِيَاءِ لِلَّهِ تَعَالَى "تَدُومُ" مُتَوَاصِلَةٌ مُتَوَاتِرَةٌ "سَرْمَدًا" تَأْكِيدًا لِلدَّوَامِ يُفَسِّرُهُ "بِلَا نَفَادِ" فَنَاءٍ وَانْقِطَاعٍ "ما جرت الأقالم بالمداد" أَيْ: عَدَدُ مَا جَرَتْ بِهِ. "ثُمَّ الدُّعَا" لِجَامِعِ هَذَا الْعَقْدِ مَتْنًا وَشَرْحًا "وَصِيَّةَ" مِنْهُ يَلْتَمِسُهُ مِنَ "الْقُرَّاءِ" أَنْ يَدْعُوَ لَهُ بِخَيْرَيِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ "جَمِيعِهِمْ" شَاهِدِهِمْ وَغَائِبِهِمْ مُعَاصِرِيهِ وَمَنْ يَأْتِي بَعْدَ عَصْرِهِ "مِنْ غَيْرِ مَا" صِلَةٌ أَيْ: مِنْ غَيْرِ "اسْتِثْنَاءِ" إِخْرَاجِ أَحَدٍ مِنْهُمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute