للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْإِسْعَادُ, فَهِدَايَتُهُ الْعَبْدَ وَإِسْعَادُهُ فَضْلٌ وَرَحْمَةٌ, وَإِضْلَالُهُ وَإِبْعَادُهُ عَدْلٌ مِنْهُ وَحِكْمَةٌ, وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَوَاقِعِ فَضْلِهِ وَعَدْلِهِ, وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ الَّذِي يَضَعُ الْأَشْيَاءَ مَوَاضِعَهَا, وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ مَحَلُّ الْهِدَايَةِ فَيَهْدِيهِ, وَمَنْ هُوَ مَحَلُّ الْإِضْلَالِ فَيُضِلُّهُ, وَهُوَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ, وَهُوَ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ, وَعَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ, وَعَلِيمٌ بِالْمُهْتَدِينَ, وَهُوَ أَعْلَمُ بِالشَّاكِرِينَ وَأَعْلَمُ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ, وَهُوَ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ, وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ, وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى, وَلَهُ فِي ذَلِكَ الْحِكْمَةُ الْبَالِغَةُ وَالْحُجَّةُ الدَّامِغَةُ وَلِذَا نَقُولُ:

لِحِكْمَةٍ بَالِغَةٍ قَضَاهَا ... يَسْتَوْجِبُ الْحَمْدَ عَلَى اقْتِضَاهَا

أَيْ: أَنَّ جَمِيعَ أَفْعَالِهِ مِنْ هِدَايَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَإِضْلَالِهِ مَنْ يَشَاءُ, وَإِسْعَادِ مَنْ يَشَاءُ وَإِشْقَاءِ مَنْ يَشَاءُ, وَجَعْلِهِ أَئِمَّةَ الْهُدَى يَهْدُونَ إِلَى الْحَقِّ بِأَمْرِهِ وَأَئِمَّةَ الضَّلَالَةِ يَهْدُونَ إِلَى النَّارِ, وَإِلْهَامِهِ كُلَّ نَفْسِ فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا, وَجَعْلِهِ الْمُؤْمِنَ مُؤْمِنًا وَالْكَافِرَ كَافِرًا عَاصِيًا مَعَ قُدْرَتِهِ التَّامَّةِ الشَّامِلَةِ وَأَنَّهُ لَوْ شَاءَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَوْ شَاءَ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى, وَلَوْ شَاءَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا وَلَكِنَّ هَذَا الَّذِي فَعَلَهُ بِهِمْ مِنْ قِسْمَتِهِمْ إِلَى ضَالٍّ وَمُهْتَدٍ وَشَقِيٍّ وَسَعِيدٍ وَمُقَرَّبٍ وَطَرِيدٍ وَطَائِعٍ وَعَاصٍ وَمُؤْمِنٍ وَكَافِرٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ هُوَ مُقْتَضَى حِكْمَتِهِ وَمُوجَبُ رُبُوبِيَّتِهِ, وَحِكْمَتُهُ حِكْمَةُ حَقٍّ وَهِيَ صِفَتُهُ الْقَائِمَةُ بِهِ كَسَائِرِ الصِّفَاتِ, وَهِيَ مُتَضَمَّنُ اسْمِهِ "الْحَكِيمِ" وَهِيَ الْغَايَةُ الْمَحْبُوبَةُ لَهُ وَلِأَجْلِهَا خَلَقَ فَسَوَّى وَقَدَّرَ فَهَدَى وَأَسْعَدَ وَأَشْقَى وَمَنَعَ وَأَعْطَى وَخَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَالْآخِرَةَ وَالْأُولَى, فَهُوَ سُبْحَانَهُ الْحَكِيمُ فِي خَلْقِهِ وَتَكْوِينِهِ الْحَكِيمُ فِي قَضَائِهِ وَقَدَرِهِ الْحَكِيمُ فِي أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ وَجَمِيعِ شرعه, فإن أسمائه وَصِفَاتِهِ صِفَاتُ كَمَالٍ وَجَلَالٍ, وَأَفْعَالَهُ كُلَّهَا عَدْلٌ وَحِكْمَةٌ, وَالْفِعْلُ لِغَيْرِ حِكْمَةٍ عَبَثٌ, وَالْعَبَثُ مِنْ صِفَاتِ النَّقْصِ, وَاللَّهُ تَعَالَى مُنَزَّهٌ بِجَمِيعِ أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ عَنْ جَمِيعِ النَّقَائِصِ, فَجَمِيعُ مَا خَلَقَهُ وَقَضَاهُ وَقَدَّرَهُ خَيْرٌ وَحِكْمَةٌ مِنْ جِهَةِ إِضَافَتِهِ إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَكَذَلِكَ جَمِيعُ مَا شَرَعَهُ وَأَمَرَ بِهِ كُلُّهُ حِكْمَةٌ وَعَدْلٌ, وَمَا كَانَ مِنْ شَرٍّ فِي قَضَائِهِ وَقَدَرِهِ فَمِنْ جِهَةِ إِضَافَتِهِ إِلَى فِعْلِ الْعَبْدِ لِأَنَّهَا مَعْصِيَةٌ مَذْمُومَةٌ مَكْرُوهَةٌ لِلرَّبِّ غَيْرُ مَحْبُوبَةٍ, وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ إِضَافَتِهِ إِلَى الرَّبِّ عَزَّ وَجَلَّ فَخَيْرٌ مَحْضٌ وَلِحِكْمَةٍ بَالِغَةٍ وَعَدْلٍ تَامٍّ وَغَايَةٍ مَحْمُودَةٍ لَا شَرَّ فِيهَا الْبَتَّةَ, وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى فِيمَا قَصَّهُ عَنِ

<<  <  ج: ص:  >  >>