للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَلْبِهِ" ١, وَفِي بَعْضِهَا: "قَدْ ذَلَّ بِهَا لِسَانُهُ وَاطْمَأَنَّ بِهَا قَلْبُهُ"٢. وَهَذَا كُلُّهُ إِشَارَةٌ إِلَى عَمَلِ الْقَلْبِ وَتَحَقُّقِهِ بِمَعْنَى الشَّهَادَتَيْنِ, فَتَحَقُّقُهُ بِمَعْنَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ: أَنْ لَا يَأْلَهَ قَلْبُهُ غَيْرَ اللَّهِ حُبًّا وَرَجَاءً وَخَوْفًا وَطَمَعًا وَتَوَكُّلًا وَاسْتِعَانَةً وَخُضُوعًا وَإِنَابَةً وَطَلَبًا, وَتَحَقُّقُهُ بِشَهَادَةِ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ لَا يُعْبَدَ بِغَيْرِ مَا شَرَعَهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهَذَا الْمَعْنَى جَاءَ مَرْفُوعًا إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: "مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُخْلِصًا دَخَلَ الْجَنَّةَ" قِيلَ: مَا إِخْلَاصُهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "أَنْ تَحْجِزَكَ عَمَّا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْكَ" وَهَذَا يُرْوَى مِنْ حَدِيثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ٣، وَلَكِنَّ إِسْنَادَهُمَا لَا يَصِحُّ, وَجَاءَ أَيْضًا مِنْ مَرَاسِيلِ الْحَسَنِ نَحْوُهُ وَتَحْقِيقُ هَذَا الْمَعْنَى وَإِيضَاحُهُ أَنَّ قَوْلَ الْعَبْدِ: "لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ" يَقْتَضِي أَنْ لَا إِلَهَ غَيْرُ اللَّهِ وَالْإِلَهُ الَّذِي يُطَاعُ وَلَا يُعْصَى هَيْبَةً وَإِجْلَالًا وَمَحَبَّةً وَخَوْفًا وَرَجَاءً وَتَوَكُّلًا عَلَيْهِ وَسُؤَالًا مِنْهُ وَدُعَاءً لَهُ, وَلَا يَصْلُحُ ذَلِكَ كُلُّهُ لِغَيْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ, فَمَنْ أَشْرَكَ مَخْلُوقًا فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ الَّتِي هِيَ مِنْ خَصَائِصِ الْإِلَهِيَّةِ كَانَ ذَلِكَ قَدْحًا فِي إِخْلَاصِهِ فِي قَوْلِهِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَنَقْصًا فِي تَوْحِيدِهِ, وَكَانَ فِيهِ مِنْ عُبُودِيَّةِ الْمَخْلُوقِ بِحَسَبِ مَا فِيهِ مِنْ ذَلِكَ وَهَذَا كُلُّهُ مِنْ فُرُوعِ الشِّرْكِ؛ وَلِهَذَا وَرَدَ إِطْلَاقُ الْكُفْرِ وَالشِّرْكِ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ المعاصي التي منشؤها مِنْ طَاعَةِ غَيْرِ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- أَوْ خَوْفِهِ أَوْ رَجَائِهِ أَوِ التَّوَكُّلِ عَلَيْهِ أَوِ الْعَمَلِ, كَمَا وَرَدَ إِطْلَاقُ الْكُفْرِ وَالشِّرْكِ عَلَى الرِّبَا وَعَلَى الْحَلِفِ بِغَيْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَلَى التَّوَكُّلِ عَلَى غَيْرِ اللَّهِ وَالِاعْتِمَادِ عَلَيْهِ وَعَلَى مَنْ سَوَّى بَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَ الْمَخْلُوقِ فِي الْمَشِيئَةِ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: مَا شَاءَ اللَّهُ وشاء فُلَانٌ, وَكَذَا قَوْلُهُ: مَا لِي إِلَّا اللَّهُ وَأَنْتَ, وَكَذَلِكَ مَا يَقْدَحُ فِي التَّوْحِيدِ وَتَفَرُّدِ اللَّهِ بِالنَّفْعِ وَالضُّرِّ كَالطِّيَرَةِ وَالرُّقَى الْمَكْرُوهَةِ وَإِتْيَانِ الْكُهَّانِ وَتَصْدِيقِهِمْ بِمَا يَقُولُونَ.


١ تقدم لفظه.
٢ رواه الطبراني في الأوسط وفيه عبد الرحمن بن زيد بن أسلم, والأكثر على تضعيفه "المجمع ١/ ٢٦".
٣ حديث زيد بن أرقم رواه الطبراني في الكبير "ح٥٠٧٤" وفي سنده الهيثم بن جماز وهو ضعيف وأبو داود الدارمي وهو متروك والأوسط "مجمع الزوائد ١/ ٢٣" وفي سنده عبد الرحمن بن غزوان وهو وضاع.
حديث أنس رواه الخطيب في تاريخه "١٢/ ٦٤" وفي سنده محمد بن عبد الرحمن بن غزوان كان يضع الحديث "الميزان ت ٧٨٥٧".

<<  <  ج: ص:  >  >>