للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَا يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ وَيُبْغِضُ مَا يَكْرَهُهُ وَيَأْبَاهُ, وَإِنَّمَا تَتَلَقَّى مَعْرِفَةُ مَحَابِّ اللَّهِ وَمَعَاصِيهِ مِنْ طَرِيقِ الشَّرْعِ, وَإِنَّمَا تَحْصُلُ بِمُتَابَعَةِ الشَّارِعِ؛ وَلِذَا قَالَ الْحَسَنُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: ادَّعَى قَوْمٌ مُحِبَّةَ اللَّهِ فَابْتَلَاهُمُ اللَّهُ بِهَذِهِ الْآيَةِ: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آلِ عِمْرَانَ: ٣١] فَمَنِ ادَّعَى مَحَبَّةَ اللَّهِ وَلَمْ يَكُ مُتَّبِعًا رَسُولَهُ فَهُوَ كَاذِبٌ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: إِذَا رَأَيْتُمُ الرَّجُلَ يَمْشِي عَلَى الْمَاءِ أَوْ يَطِيرُ فِي الْهَوَاءِ فَلَا تُصَدِّقُوهُ حَتَّى تَعْلَمُوا مُتَابَعَتَهُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ١. وَكَذَلِكَ الرَّجَاءُ وَحْدَهُ إِذَا اسْتَرْسَلَ فِيهِ الْعَبْدُ تَجَرَّأَ عَلَى مَعَاصِي اللَّهِ وَأَمِنَ مَكْرَ اللَّهِ, وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} [الْأَعْرَافِ: ٩٩] . وَكَذَلِكَ الْخَوْفُ وَحْدَهُ إِذَا اسْتَرْسَلَ فِيهِ الْعَبْدُ سَاءَ ظَنُّهُ بِرَبِّهِ وَقَنَطَ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَئِسَ مِنْ رَوْحِهِ, وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يُوسُفَ: ٨٧] وَقَالَ: {وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ} [الْحِجْرِ: ٥٦] . فَالْأَمْنُ مِنْ مَكْرِ اللَّهِ خُسْرَانٌ وَالْيَأْسُ مِنْ رَوْحِهِ كُفْرَانٌ وَالْقُنُوطُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ضَلَالٌ وَطُغْيَانٌ وَعِبَادَةُ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- بِالْحُبِّ وَالْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ وتوحيد وَإِيمَانٌ. فَالْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ بَيْنَ الْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ} [الإسرء: ٥٧] وَقَالَ تَعَالَى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ} [الزُّمَرِ: ٩] وَبَيَّنَ الرَّغْبَةَ وَالرَّهْبَةَ كَمَا قَالَ تَعَالَى في آل زكريا عَلَيْهِمُ السَّلَامُ: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الْأَنْبِيَاءِ: ٩] فَتَارَةً يَمُدُّهُ الرَّجَاءُ وَالرَّغْبَةُ فَيَكَادُ أَنْ يَطِيرَ شَوْقًا إِلَى اللَّهِ, وَطَوْرًا يَقْبِضُهُ الْخَوْفُ وَالرَّهْبَةُ فَيَكَادُ أَنْ يَذُوبَ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ تَعَالَى, فَهُوَ دَائِبٌ فِي طَلَبِ مَرْضَاةِ رَبِّهِ مُقْبِلٌ عَلَيْهِ, خَائِفٌ مِنْ عُقُوبَاتِهِ مُلْتَجِئٌ مِنْهُ إِلَيْهِ, عَائِذٌ بِهِ مِنْهُ رَاغِبٌ فِيمَا لَدَيْهِ, وَكَذَلِكَ هُوَ فِي صِفَاتِ اللَّهِ عَزَّ وجل, لا نافي ولا مُشَبِّهٌ, وَفِي أَفْعَالِ الْعِبَادِ لَا جَبْرِيٌّ وَلَا قَدَرِيٌّ, وَفِي أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَهْلِ بَيْتِهِ لَيْسَ بِذِي النَّصْبِ وَلَا التَّشَيُّعِ, وَفِي الْوَعْدِ الوعيد لَيْسَ بِخَارِجِيٍّ وَلَا مُرْجِئٍ. فَدِينُ اللَّهِ بَيْنَ الْغُلُوِّ وَالْجَفَاءِ وَالتَّفْرِيطِ وَالْإِفْرَاطِ, وَخَيْرُ الْأُمُورِ


١ انظر سير أعلام النبلاء "١٠/ ٢٣".

<<  <  ج: ص:  >  >>