للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِيَتَبَيَّنَ حِزْبَهُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ رُسُلَهُ وَيُقَاتِلُونَ أَعْدَاءَهُ, وَيَغْرِسَ لَهُمْ بِصَالِحِ الْأَعْمَالِ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بِشْرٍ, وَيَتَبَيَّنَ حِزْبَ عَدُوِّهِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَأَطَاعُوهُ وَصَارُوا مِنْ خَيْلِهِ وَرَجِلِهِ وَقَدْ أَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا, وَأَلْقَى الْعَدَاوَةَ وَنَصَبَ الْحَرْبَ بَيْنَ هَذَيْنِ الْحِزْبَيْنِ فِي هَذِهِ الدَّارِ؛ لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمُهُ جَمِيعًا, فَيَجْعَلُهُ فِي جَهَنَّمَ فَقَالَ تَعَالَى: {قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ، وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [الْبَقَرَةِ: ٣٨] ، ثُمَّ كَانَ مِنْ كَيْدِ الشَّيْطَانِ مِمَّا قَصَّ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- مِنْ إِلْقَائِهِ الْفِتْنَةَ بَيْنَ ابْنَيْ آدَمَ, وَقَتْلِ أَحَدِهِمَا الْآخَرَ كَمَا فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ.

وَلَمَّا مَاتَ آدَمُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- كَانَ وَصِيُّهُ شِيثًا عَلَيْهِ السَّلَامُ, وَمَضَتْ تِلْكَ الْمُدَّةُ الَّتِي ذَكَرْنَا وَالنَّاسُ كُلُّهُمْ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْحَقِّ كَمَا قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ أَخْبَرَنَا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: كَانَ بَيْنَ نُوحٍ وَآدَمَ عَشَرَةُ قُرُونٍ, كُلُّهُمْ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْحَقِّ فَاخْتَلَفُوا, فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ١.

وَزَيَّنَ الشَّيْطَانُ -لَعَنَهُ اللَّهُ- لِقَوْمِ نُوحٍ عِبَادَةَ الْأَصْنَامِ وَكَانَ أَوَّلُ ذَلِكَ أَنَّ زَيَّنَ لَهُمْ تَعْظِيمَ الْقُبُورِ وَالْعُكُوفَ عَلَيْهَا, وَبَيَانُ ذَلِكَ مَا رَوَى الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ فِي وَدٍّ وَسُوَاعٍ وَيَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرٍ: هَذِهِ أَسْمَاءُ رِجَالٍ صَالِحِينَ مِنْ قَوْمِ نُوحٍ, فَلَمَّا هَلَكُوا أَوْحَى الشَّيْطَانُ إِلَى قَوْمِهِمْ أَنْ أَنْصِبُوا إِلَى مَجَالِسِهِمُ الَّتِي كَانُوا يَجْلِسُونَ أَنْصَابًا وَسَمُّوهَا بِأَسْمَائِهِمْ, فَفَعَلُوا وَلَمْ تُعْبَدْ, حَتَّى إِذَا هَلَكَ أُولَئِكَ وَتُنُوسِيَ العلم عبدت ا. هـ.٢. فَلَوْ جَاءَهُمُ اللَّعِينُ وَأَمَرَهُمْ مِنْ أَوَّلِ مَرَّةٍ بِعِبَادَتِهِمْ لَمْ يَقْبَلُوا وَلَمْ يُطِيعُوهُ, بَلْ أَمَرَ الْأَوَّلِينَ بِنَصْبِ الصُّوَرِ لِتَكُونَ ذَرِيعَةً


١ ابن جرير "جامع البيان ٢/ ٣٣٤" وسنده صحيح. ورواه الحاكم في مستدركه "٢/ ٤٤٢" وقال: صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه, ووافقه الذهبي.
٢ البخاري "٨/ ٦٦٧" في التفسير، وتفسير سورة نوح، باب: ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق.

<<  <  ج: ص:  >  >>