للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, " أَنَّ بَعْثَ النَّارِ مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعُمِائَةٍ وَتِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ" ١, وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا} [الْإِسْرَاءِ: ٨٩] ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [الْأَنْعَامِ: ١١٦] ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} [يُوسُفَ: ١٠٣] ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ} [الْأَعْرَافِ: ١٠٢] ، وَلَوْ لَمْ تَكُنِ الْفِتْنَةُ بِعِبَادَةِ الْأَصْنَامِ عَظِيمَةً لَمَا أَقْدَمَ عُبَّادُهَا عَلَى بَذْلِ نُفُوسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَأَبْنَائِهِمْ دُونَهَا, فَهُمْ يُشَاهِدُونَ مَصَارِعَ إِخْوَانِهِمْ وَمَا حَلَّ بِهِمْ وَلَا يَزِيدُهُمْ ذَلِكَ إِلَّا حُبًّا لَهَا وَتَعْظِيمًا وَيُوصِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِالصَّبْرِ عَلَيْهَا وَتَحَمُّلِ أَنْوَاعِ الْمَكَارِهِ فِي نُصْرَتِهَا وَعِبَادَتِهَا, وَهُمْ يَسْمَعُونَ أَخْبَارَ الْأُمَمِ الَّتِي فُتِنَتْ بِعِبَادَتِهَا وَمَا حَلَّ بِهِمْ مِنْ عَاجِلِ الْعُقُوبَاتِ وَلَا يَثْنِيهِمْ ذَلِكَ عَنْ عِبَادَتِهَا, فَفِتْنَةُ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ أَشَدُّ مِنْ فِتْنَةِ عِشْقِ الصُّوَرِ وَفِتْنَةِ الْفُجُورِ بِهَا, وَالْعَاشِقُ لَا يَثْنِيهِ عَنْ مُرَادِهِ خَشْيَةَ عُقُوبَةٍ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ, وَهُوَ يُشَاهِدُ مَا يَحِلُّ بِأَصْحَابِ ذَلِكَ مِنَ الْآلَامِ وَالْعُقُوبَاتِ وَالضَّرْبِ وَالْحَبْسِ وَالنَّكَالِ وَالْفَقْرِ, وغير مَا أَعَدَّ اللَّهُ لَهُ فِي الْآخِرَةِ وَفِي الْبَرْزَخِ, وَلَا يَزِيدُهُ ذَلِكَ إِلَّا إِقْدَامًا وَحِرْصًا عَلَى الْوُصُولِ وَالظَّفَرِ بِحَاجَتِهِ فَهَكَذَا الْفِتْنَةُ بِعِبَادَةِ الْأَصْنَامِ وَأَشَدُّ, فَإِنَّ تَأَلُّهَ الْقُلُوبِ لَهَا أَعْظَمُ مِنْ تَأَلُّهِهَا لِلصُّوَرِ الَّتِي يُرِيدُ مِنْهَا الْفَاحِشَةَ بِكَثِيرٍ, وَالْقُرْآنُ بَلْ وَسَائِرُ الْكُتُبِ الْإِلَهِيَّةِ مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا مُصَرِّحَةٌ بِبُطْلَانِ هَذَا الدِّينِ وَكُفْرِ أَهْلِهِ وَأَنَّهُمْ أَعْدَاءُ اللَّهِ وَأَعْدَاءُ رُسُلِهِ وَأَنَّهُمْ أَوْلِيَاءُ الشَّيْطَانِ وَعُبَّادُهُ وَأَنَّهُمْ هُمْ أَهْلُ النَّارِ الَّذِينَ لَا يَخْرُجُونَ مِنْهَا وَهُمُ الَّذِينَ حَلَّتْ بِهِمُ الْمَثُلَاتُ وَنَزَلَتْ بِهِمُ الْعُقُوبَاتُ وَأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ بَرِيءٌ مِنْهُمْ هُوَ وَجَمِيعُ رُسُلِهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَا يَغْفِرُ لَهُمْ وَلَا يَقْبَلُ لَهُمْ عَمَلًا, وَهَذَا مَعْلُومٌ بِالضَّرُورَةِ مِنَ الدِّينِ الْحَنِيفِ, وَقَدْ أَبَاحَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- لِرَسُولِهِ وَأَتْبَاعِهِ مِنَ الْحُنَفَاءِ دِمَاءَ هَؤُلَاءِ وَأَمْوَالَهُمْ وَنِسَاءَهُمْ وَأَبْنَاءَهُمْ, وَأَمَرَهُمْ بِتَطْهِيرِ الْأَرْضِ مِنْهُمْ حَيْثُ وُجِدُوا, وَذَمَّهُمْ بِسَائِرِ أَنْوَاعِ الذَّمِّ وَتَوَعَّدَهُمْ بِأَعْظَمِ أَنْوَاعِ الْعُقُوبَةِ, فَهَؤُلَاءِ فِي شِقٍّ وَرُسُلُ اللَّهِ فِي شِقٍّ٢. ثُمَّ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى:


١ أخرجه البخاري "١١/ ٣٧٨" في الرقاق، باب الحشر، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
٢ إلى "٢/ ٢٢٦" من إغاثة اللهفان.

<<  <  ج: ص:  >  >>