"يَقْصِدُهُ" أَيِ: الْمُتَّخِذُ ذَلِكَ النِّدِّ مِنْ دُونِ اللَّهِ, يَقْصِدُ نِدَّهُ "عِنْدَ نُزُولِ الضُّرِّ" بِهِ مِنْ خَيْرٍ فَاتَهُ أَوْ شَرٍّ دَهَمَهُ "لِجَلْبِ خَيْرٍ" لَهُ أَوْ "لِدَفْعِ الشَّرِّ" عَنْهُ "أَوْ عِنْدَ" احْتِيَاجِ "أَيِّ غَرَضٍ" مِنَ الْأَغْرَاضِ وَالْحَالُ أَنَّهُ "لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ" أَيْ: عَلَى ذَلِكَ الْغَرَضِ "إِلَّا الْمَالِكُ الْمُقْتَدِرُ" وَهُوَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى "مَعَ جَعْلِهِ" أَيِ الْعَبْدِ "لِذَلِكَ الْمَدْعُوِّ أَوِ الْمُعَظَّمِ أَوِ الْمَرْجُوِّ" مِنْ مَلَكٍ أَوْ نَبِيٍّ أَوْ وَلِيٍّ أَوْ قَبْرٍ أَوْ شَجَرٍ أَوْ حَجَرٍ أَوْ كَوْكَبٍ أَوْ جِنِّيٍّ "فِي الْغَيْبِ سُلْطَانًا" أَيْ: يَعْتَقِدُ أَنَّ لَهُ سُلْطَانًا غَيْبِيًّا فَوْقَ طَوْقِ الْبَشَرِ "بِهِ يَطَّلِعُ" أَيْ بِذَلِكَ السُّلْطَانِ الَّذِي اعْتَقَدَهُ فِيهِ "عَلَى ضَمِيرِ مَنْ إِلَيْهِ" إِلَى ذَلِكَ النِّدِّ "يَفْزَعُ" فِي قَضَاءِ أَيِّ حَاجَةٍ؛ مِنْ شِفَاءِ مَرِيضٍ أَوْ رَدِّ غَائِبٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ, فَيَرَى أَنَّهُ يَسْمَعُهُ إِذَا دَعَاهُ وَيَرَى مَكَانَهُ وَيَعْلَمُ حَاجَتَهُ وَيَقْضِيهَا بِقُدْرَةٍ اعْتَقَدَهَا فِيهِ مَعَ اللَّهِ, وَالْمَقْصُودُ أَنَّهُ يُثْبِتُ لَهُ مِنْ صِفَاتِ الرُّبُوبِيَّةِ مَا يَرْفَعُهُ عَنْ دَرَجَةِ الْعُبُودِيَّةِ إِلَى دَرَجَةِ الرُّبُوبِيَّةِ, وَيَجْعَلُهُ مُسْتَحِقًّا الْعِبَادَةَ مَعَ اللَّهِ. وَمِنْ هُنَا يَتَبَيَّنُ لَكَ مَا قَدَّمْنَا مِنْ أَنَّ الشِّرْكَ فِي الْأُلُوهِيَّةِ يَسْتَلْزِمُ الشِّرْكَ فِي الرُّبُوبِيَّةِ وَالْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ وَلَا بُدَّ, وَيَتَبَيَّنُ لَكَ عِظَمُ ذَنَبِ الشِّرْكِ وَأَنَّهُ أَقْبَحُ الذُّنُوبِ وَأَظْلَمُ الظُّلْمِ وَأَكْبَرُ الْكَبَائِرِ, وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَغْفِرُهُ وَلَا يَقْبَلُ لِأَحَدٍ مَعَهُ عَمَلًا وَأَنَّهُ لَا أَشْدَّ هَلَكَةً مِنْهُ, وَمَا أَرْسَلَ اللَّهُ الرُّسُلَ وَأَنْزَلَ الْكُتُبَ إِلَّا بِالنِّذَارَةِ عَنِ الشِّرْكِ وَالدَّعْوَةِ إِلَى التَّوْحِيدِ, وَمَا هَلَكَتِ الْأُمَمُ الْغَابِرَةُ وَأُعِدَّتْ لَهُمُ النِّيرَانُ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا بِالشِّرْكِ وَالْإِبَاءِ عَنِ التَّوْحِيدِ, وَلَا نَجَا الرُّسُلُ وَأَتْبَاعُهُمْ مِنْ خِزْيِ الدُّنْيَا وَعَذَابِ الْآخِرَةِ إِلَّا بِالْتِزَامِ التَّوْحِيدِ وَالْبَرَاءَةِ مِنَ الشِّرْكِ, فَمَا هَلَكَ قَوْمُ نُوحٍ بِالطُّوفَانِ وَلَا عَادٌ بِالرِّيحِ الْعَظِيمِ وَلَا ثَمُودُ بِالصَّيْحَةِ وَلَا أَهْلُ مَدْيَنٍ بِعَذَابِ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِلَّا بِالشِّرْكِ وَعِبَادَةِ الْأَصْنَامِ, وَهَكَذَا الْأُمَمُ مِنْ بَعْدِهِمْ بِأَنْوَاعِ الْعَذَابِ, وَلَمْ يَخْرُجْ عُصَاةُ الْمُوَحِّدِينَ مِنَ النَّارِ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا بِالتَّوْحِيدِ وَلَمْ يُخَلَّدْ غَيْرُهُمْ فِيهَا أَبَدًا مُؤَبَّدًا إِلَّا بِالشِّرْكِ.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مَا عُبِدَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِمَّا عَاقِلٌ أَوْ غَيْرُ عَاقِلٍ؛ فَالْعَاقِلُ كَالْآدَمِيِّ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْجِنِّ, وَيَنْقَسِمُونَ إِلَى قِسْمَيْنِ: رَاضٍ بِالْعِبَادَةِ لَهُ, وَغَيْرُ رَاضٍ بِهَا. فَالْأَوَّلُ كَفِرْعَوْنَ وَإِبْلِيسَ وَغَيْرِهِمَا مِنَ الطَّوَاغِيتِ, وَهَؤُلَاءِ فِي النَّارِ مَعَ عَابِدِيهِمْ كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ، وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّأُوا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute