للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَيَزْعُمُونَ أَنَّ لَهَا بِهَذِهِ الْهَيْئَةِ خُصُوصِيَّةً لَيْسَتْ لِغَيْرِهَا مِنَ الْهَيْئَاتِ, وَلَا أَدْرِي مِنْ أَيْنَ أَخَذُوهَا وَعَمَّنْ نَقَلُوهَا؟! مَا هِيَ إِلَّا وَسَاوِسُ شَيْطَانِيَّةٌ زَخْرَفُوهَا وَخُرَافَاتٌ مُضِلَّةٌ ألفوها وأكاذيب مختلقة لَفَّقُوهَا, لَمْ يُنَزِّلِ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ وَلَا يُعْرَفُ لَهَا أَصْلٌ فِي سُنَّةٍ وَلَا قُرْآنٍ, وَلَمْ تُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الدِّينِ وَالْإِيمَانِ. إِنْ هَؤُلَاءِ إِلَّا كَاذِبُونَ أَفَّاكُونَ مُفْتَرُونَ, وَسَيُجْزُونَ عَلَى مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ. وَتَارَةً يَكْتُبُونَ رُمُوزًا مِنَ الْأَعْدَادِ الْعَرَبِيَّةِ الْمَعْرُوفَةِ مِنْ آحَادٍ وَعَشَرَاتٍ وَمِئَاتٍ وَأُلُوفٍ وَغَيْرِهَا ويزعمون أَنَّهَا رُمُوزٌ إِلَى حُرُوفِ آيَةٍ أَوْ سُورَةٍ أَوِ اسْمٍ أَوْ شَيْءٍ مِمَّا قَدَّمْنَا بِحِسَابِ الْحُرُوفِ الْأَبْجَدِيَّةِ الْمَعْرُوفَةِ عِنْدَ الْعَرَبِ, وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الْخُرَافَاتِ الْبَاطِلَةِ وَالْأَكَاذِيبِ الْمُفْتَعَلَةِ الْمُخْتَلَقَةِ, وغالبها مأخوذ عن الْأُمَّةِ الْغَضَبِيَّةِ الَّذِينَ أَخَذُوا السِّحْرَ عَنِ الشَّيَاطِينِ وَتَعَلَّمُوهُ مِنْهُمْ, ثُمَّ أَدْخَلُوا ذَلِكَ عَلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ بِصِفَةِ أَنَّهُ مِنَ الْقُرْآنِ أَوِ السُّنَّةِ أَوْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى, وَأَنَّهُمْ إِنَّمَا غَيَّرُوا أَلْفَاظَهُ وَتَرْجَمُوهَا بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ لِمَقَاصِدَ لَا تَتِمُّ بِزَعْمِهِمْ إِلَّا بِذَلِكَ, وَمِنْهَا مَا هُوَ مِنْ عُبَّادِ الْمَلَائِكَةِ وَالشَّيَاطِينِ وَنَحْوِهُمْ, يَأْخُذُونَ أَسْمَاءَهُمْ وَيَقُولُونَ لِلْجُهَّالِ: هِيَ أَسْمَاءُ اللَّهِ؛ لِيُرَوِّجُوا الشِّرْكَ بِذَلِكَ عَلَيْهِمْ فَيَدْعُونَ غَيْرَ اللَّهِ مِنْ دُونِهِ, وَهَذِهِ مَكِيدَةٌ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهَا إبليس إلا بوساطة هَؤُلَاءِ الْمُضِلِّينَ وَهُوَ: {إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [فَاطِرٍ: ٦] ، وَاللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [الْعَنْكَبُوتِ: ٥١] {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النُّورِ: ٤٠] .

فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّ الرُّقَى لَا تَجُوزُ إِلَّا بِاجْتِمَاعِ ثَلَاثَةِ شُرُوطٍ, فَإِذَا اجْتَمَعَتْ فِيهَا كَانَتْ رُقْيَةً شَرْعِيَّةً, وَإِنِ اخْتَلَّ مِنْهَا شَيْءٌ كَانَ بِضِدٍّ ذَلِكَ:

الْأَوَّلُ: أَنْ تَكُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ, فَلَا تَجُوزُ مِنْ غَيْرِهِمَا.

الشَّرْطُ الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ بِاللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ, مَحْفُوظَةً أَلْفَاظُهَا مَفْهُومَةً مَعَانِيهَا, فَلَا يَجُوزُ تَغْيِيرُهَا إِلَى لِسَانٍ آخَرَ.

الثَّالِثُ: أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّهَا سَبَبٌ مِنَ الْأَسْبَابِ, لَا تَأْثِيرَ لَهَا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ, فَلَا يَعْتَقِدُ النَّفْعَ فِيهَا لِذَاتِهَا, بَلْ فِعْلُ الرَّاقِي السَّبَبُ, وَاللَّهُ هُوَ الْمُسَبِّبُ إِذَا شَاءَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>