امْتَلَأَ قَلْبُ الْغَبِيِّ الْجَاهِلِ خَوْفًا مِمَّا وَصَفَ لَهُ, حِينَئِذٍ أَعْرَضَ عَنْ رَبِّهِ وَأَقْبَلَ عَلَى ذَلِكَ الدَّجَّالِ بِقَلْبِهِ وَقَالَبِهِ, وَالْتَجَأَ إِلَيْهِ وَعَوَّلَ عَلَيْهِ دُونَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَقَالَ لَهُ: فَمَا الْمَخْرَجُ مِمَّا وَصَفْتَ, وَمَا الْحِيلَةُ فِي دَفْعِهِ؟ كَأَنَّمَا بِيَدِهِ الضُّرُّ وَالنَّفْعُ فَعِنْدَ ذَلِكَ يَتَحَقَّقُ فِيهِ أَمَلُهُ, وَيَعْظُمُ طَمَعُهُ فِيمَا عَسَى أَنْ يَبْذُلَهُ لَهُ, فَيَقُولُ لَهُ: إِنَّكَ إِنْ أَعْطَيْتَنِي كَذَا وَكَذَا كَتَبْتُ لَكَ مِنْ ذَلِكَ حِجَابًا طُولُهُ كَذَا وَعَرْضُهُ كَذَا, وَيَصِفُ لَهُ وَيُزَخْرِفُ لَهُ فِي الْقَوْلِ, وَهَذَا الْحِجَابُ عَلِّقْهُ مِنْ كَذَا وَكَذَا مِنَ الْأَمْرَاضِ أَتَرَى هَذَا -مَعَ هَذَا الِاعْتِقَادِ- مِنَ الشِّرْكِ الْأَصْغَرِ, لَا بَلْ هُوَ تَأَلُّهٌ لِغَيْرِ اللَّهِ وَتَوَكُّلٌ عَلَى غَيْرِهِ وَالْتِجَاءٌ إِلَى سِوَاهُ وَرُكُونٌ إِلَى أَفْعَالِ الْمَخْلُوقِينَ وَسَلْبٌ لَهُمْ مِنْ دِينِهِمْ, فَهَلْ قَدَرَ الشَّيْطَانُ عَلَى مِثْلِ هَذِهِ الْحِيَلِ إِلَّا بِوَسَاطَةِ أَخِيهِ مِنْ شَيَاطِينِ الْإِنْسِ: {قُلْ مَنْ يَكْلَأُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ} [الْأَنْبِيَاءِ: ٤٢] ؟! ثُمَّ إِنَّهُ يَكْتُبُ فِيهِ مَعَ طَلَاسِمِهِ الشَّيْطَانِيَّةِ شَيْئًا مِنَ الْقُرْآنِ وَيَتَعَلَّقُهُ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ وَيُحْدِثُ الْحَدَثَ الْأَصْغَرَ وَالْأَكْبَرَ وَهُوَ مَعَهُ أَبَدًا لَا يُقَدِّسُهُ عَنْ شَيْءٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ, تَاللَّهِ مَا اسْتَهَانَ بكتاب الله تعالى أَحَدٌ مِنْ أَعْدَائِهِ اسْتِهَانَةَ هَؤُلَاءِ الزَّنَادِقَةِ الْمُدَّعِينَ الْإِسْلَامَ بِهِ. وَاللَّهِ مَا نَزَلَ الْقُرْآنُ إِلَّا لِتِلَاوَتِهِ وَالْعَمَلِ بِهِ, وَامْتِثَالِ أَوَامِرِهِ وَاجْتِنَابِ نَوَاهِيهِ, وَتَصْدِيقِ خَبَرِهِ وَالْوُقُوفِ عِنْدَ حُدُودِهِ, وَالِاعْتِبَارِ بِأَمْثَالِهِ وَالِاتِّعَاظِ بِقَصَصِهِ وَالْإِيمَانِ بِهِ, كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا, وَهَؤُلَاءِ قَدْ عَطَّلُوا ذَلِكَ كُلَّهُ وَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَلَمْ يَحْفَظُوا إِلَّا رَسْمَهُ؛ كَيْ يَتَأَكَّلُوا بِهِ وَيَكْتَسِبُوا كَسَائِرِ الْأَسْبَابِ الَّتِي يَتَوَصَّلُونَ بِهَا إِلَى الْحَرَامِ لَا الْحَلَالِ, وَلَوْ أَنَّ مَلِكًا أَوْ أَمِيرًا كَتَبَ كِتَابًا إِلَى مَنْ هُوَ تَحْتَ وِلَايَتِهِ أَنِ افْعَلْ كَذَا وَاتْرُكْ كَذَا وَأْمُرْ مَنْ فِي جِهَتِكَ بِكَذَا وَانْهَهُمْ عَنْ كَذَا وَنَحْوَ ذَلِكَ, فَأَخَذَ ذَلِكَ الْكِتَابَ وَلَمْ يَقْرَأْهُ وَلَمْ يَتَدَبَّرْ أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ وَلَمْ يُبَلِّغْهُ إِلَى غَيْرِهِ مِمَّنْ أُمِرَ بِتَبْلِيغِهِ إِلَيْهِ, بَلْ أَخَذَهُ وَعَلَّقَهُ فِي عُنُقِهِ أَوْ عَضُدِهِ وَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَى شَيْءٍ مِمَّا فِيهِ الْبَتَّةَ, لَعَاقَبَهُ الْمَلِكُ عَلَى ذَلِكَ أَشَدَّ الْعُقُوبَةِ وَلَسَامَهُ سُوءَ الْعَذَابِ, فَكَيْفَ بِتَنْزِيلِ جَبَّارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي لَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ, وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ, وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ, فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ, هُوَ حَسْبِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ, عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ, وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ؟!
وَإِنْ تَكُنْ مِمَّا سِوَى الْوَحْيَيْنِ ... فَإِنَّهَا شِرْكٌ بِغَيْرِ مَيْنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute