للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْمُتَأَخِّرِينَ" ١. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِقُبُورِ الْمَدِينَةِ فَأَقْبَلَ عَلَيْهِمْ بِوَجْهِهِ فَقَالَ: "السَّلَامُ عَلَيْكُمْ يَا أَهْلَ الْقُبُورِ, يَغْفِرُ اللَّهُ لَنَا وَلَكُمْ, أَنْتُمْ سَلَفُنَا وَنَحْنُ بِالْأَثَرِ" رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ٢. وَكَذَلِكَ الْأَحَادِيثُ فِي خُرُوجِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى بَقِيعِ الغرقد, كثيرا ما يَدْعُو لَهُمْ وَيَتَرَحَّمُ عَلَيْهِمْ٣.

وَكَانَ الصَّحَابَةُ إِذَا أَتَوْا قَبْرَهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَّوْا وَسَلَّمُوا عَلَيْهِ فَحَسْبُ كَمَا كَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ, السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا أَبَا بَكْرٍ, السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا أَبَتَاهُ٤. وَكَذَا التَّابِعُونَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ أَعْلَامِ الْهُدَى وَمَصَابِيحِ الدُّجَى لَمْ يُذْكَرْ عَنْهُمْ فِي زِيَارَةِ الْقُبُورِ غَيْرُ الْعَمَلِ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ وَأَفْعَالُ الصَّحَابَةِ, لَمْ يَعْدِلُوا عَنْهَا وَلَمْ يَسْتَبْدِلُوا بِهَا غَيْرَهَا بَلْ وَقَفُوا عِنْدَهَا, فَهَذِهِ الزِّيَارَةُ الشَّرْعِيَّةُ الْمُسْتَفَادَةُ مِنَ الْأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ وَعَلَيْهَا دَرَجَ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ وَتَابِعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ, إِنَّمَا فِيهَا التَّذَكُّرُ بِالْقُبُورِ وَالِاعْتِبَارُ بِأَهْلِهَا وَالدُّعَاءُ لَهُمْ وَالتَّرَحُّمُ عَلَيْهِمْ وَسُؤَالُ اللَّهِ الْعَفْوَ عَنْهُمْ, فمن ادعى فيها غَيْرَ هَذَا طُولِبَ بِالْبُرْهَانِ, وَأَنَّى لَهُ ذَلِكَ وَمِنْ أَيْنَ يَطْلُبُهُ؟ بَلْ كَذَبَ وَافْتَرَى وَقَفَا مَا لَيْسَ لَهُ بِهِ عِلْمٌ. بَلَى إِنَّ الْعُلُومَ الشَّرْعِيَّةَ دَالَّةٌ عَلَى ضَلَالِهِ وَجَهْلِهِ "أَوْ قَصَدَ الدُّعَاءَ" مِنَ الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا أَوْ الِاعْتِكَافِ عِنْدَ قُبُورِهِمْ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ "وَالتَّوَسُّلَا" بِأَلْفِ الْإِطْلَاقِ "بِهِمْ" أَيْ: بِأَهْلِ الْقُبُورِ "إِلَى الرَّحْمَنِ جَلَّ وَعَلَا" عَمَّا ائْتَفَكَهُ أَهْلُ الزَّيْغِ وَالضَّلَالِ "فَبِدْعَةٌ مُحْدَثَةٌ" لَمْ يَأْذَنِ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا "ضَلَالَةٌ" كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ" ٥. وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ أَحْدَثَ فِي


١ مسلم "٢/ ٦٦٩-٦٧١/ ح٩٧٤" في الجنائز، باب ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها.
٢ الترمذي "٣/ ٣٦٩/ ح١٠٥٣" في الجنائز، باب ما يقول إذا زار القبور أو أمر بها, وفي سنده قابوس بن أبي ظبيان قال عنه الحافظ: فيه لين, وقال ابن حبان: ينفرد عن أبيه بما لا أصل له. قلت: وهذا الحديث عن أبيه والحديث صحيح لشواهده إلا قوله: فأقبل عليهم بوجهه, فإنها منكرة.
٣ انظر مسلم "ح٩٧٤" وقولها: كان رسول الله كلما كانت ليلتها من رسول الله يخرج من آخر الليل إلى البقيع.
٤ رواه البيهقي في أواخر كتاب الحج "٥/ ٢٤٥" بسند صحيح, وقريبا منه روى مالك في الموطأ "١/ ١٦٦" في قصر الصلاة، ما جاء في الصلاة على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وإسناده صحيح.
٥ مسلم "٢/ ٥٩٢/ ح٨٦٧" في الجمعة، باب تخفيف الصلاة والخطبة, والنسائي "٣/ ١٨٨، ١٨٩" في العيدين، باب كيف الخطبة؟ من حديث جابر رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>