حَوَائِجِ عَابِدِيهِمْ؟! بَلْ قَدْ أَخْبَرَنَا اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- أَنَّهُمْ لَا يَسْمَعُونَ دُعَاءَ مَنْ دَعَاهُمْ, وَلَوْ سَمِعُوا دُعَاءَهُ مَا اسْتَجَابُوا لَهُ, وَأَخْبَرَنَا أَنَّ مَنْ عَبَدُوهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ كَالْمَلَائِكَةِ وَعِيسَى وَعُزَيْرٍ وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ ضُرِّ مَنْ دَعَاهُمْ وَلَا تَحْوِيلَهُ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ, بَلْ هُمْ يَبْتَغُونَ الْوَسِيلَةَ إِلَى رَبِّهِمْ وَالْقُرْبَ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ, فَيَنْبَغِي لِلْعِبَادِ الِاقْتِدَاءُ بِهِمْ فِي ذَلِكَ الِابْتِغَاءِ وَالرَّجَاءِ وَالْخَوْفِ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ, لَا دُعَاؤُهُمْ دُونَهُ, تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ.
"لَا يَقْبَلُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُ" أَيْ: مِنْ ذَلِكَ الدَّاعِي مَعَ اللَّهِ غَيْرَهُ, الْمُتَّخِذِ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ "صَرْفًا" أَيْ: نَافِلَةً "وَلَا عَدْلًا" أَيْ: وَلَا فَرِيضَةً "فَيَعْفُو عَنْهُ" فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الكافر عمله كلا شَيْءَ, قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا} [الْكَهْفِ: ١٠٥] وَقَالَ تَعَالَى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} [الْفَرْقَانِ: ٢٣] وَقَالَ تَعَالَى: {مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ} [إِبْرَاهِيمَ: ١٨] وَقَالَ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا} [النُّورِ: ٣٩] الْآيَاتِ, وَقَالَ تَعَالَى لِصَفْوَةِ خَلْقِهِ وَهُمُ الرُّسُلُ, عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: {ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الْأَنْعَامِ: ٨٨] وَقَالَ لِسَيِّدِهِمْ وَخَاتَمِهِمْ وَأَكْرَمِهِمْ عَلَى رَبِّهِ تَعَالَى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ، بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} [الزُّمَرِ: ٦٥] .
"إِذْ" حَرْفُ تَعْلِيلٍ "كُلُّ ذَنْبٍ" لَقِيَ الْعَبْدُ رَبَّهُ بِهِ "مُوشِكُ الْغُفْرَانِ" أَيْ: يُرْجَى وَيُؤَمَّلُ أَنْ يُغْفَرَ وَيُعْفَى عَنْهُ "إِلَّا اتِّخَاذُ النِّدِّ لِلرَّحْمَنِ" فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُغْفَرُ وَلَا يَخْرُجُ صَاحِبُهُ مِنَ النَّارِ وَلَا يَجِدُ رِيحَ الْجَنَّةِ, قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا} [النِّسَاءِ: ٤٨] وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا} [النِّسَاءِ: ١١٦] .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute