للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ، بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الشُّعَرَاءِ: ١٩٢-١٩٥] إِلَى أَنْ قَالَ تَعَالَى: {وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ، وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ، إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ} [الشُّعَرَاءِ: ٢١٠-٢١٢] فَأَثْبَتَ تَعَالَى أَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُهُ وَتَنْزِيلُهُ, وَأَنَّ جِبْرِيلَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- رَسُولٌ مِنْهُ مُبَلِّغٌ كَلَامَهُ إِلَى الرَّسُولِ الْبِشْرِيِّ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وَهُوَ مُبَلِّغٌ لَهُ إِلَى النَّاسِ, ثُمَّ نَفَى مَا افْتَرَاهُ الْمُشْرِكُونَ عَلَيْهِ فَقَالَ: {وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ} وَقَرَّرَ انْتِفَاءَ ذَلِكَ بِثَلَاثَةِ أُمُورٍ: الْأَوَّلُ: بُعْدُ الشَّيَاطِينِ وَأَعْمَالِهِمْ عَنِ الْقُرْآنِ, وَبُعْدُهُ وَبُعْدُ مَقَاصِدِهِ مِنْهُمْ, فَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ} لِأَنَّ الشَّيَاطِينَ مَقَاصِدُهَا الْفَسَادُ وَالْكُفْرُ وَالْمَعَاصِي وَالْبَغْيُ وَالْعُتُوُّ وَالتَّمَرُّدُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْقَبَائِحِ, وَالْقُرْآنُ آتٍ بِصَلَاحِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ, آمِرٌ بِأُصُولِ الْإِيمَانِ وَشَرَائِعِهِ, مُقَرِّرٌ لَهَا مُرَغِّبٌ فِيهَا, زَاجِرٌ عَنِ الْكُفْرِ وَالْمَعَاصِي ذَامٌّ لَهَا مُتَوَعِّدٌ عَلَيْهَا, آمِرٌ بِالْمَعْرُوفِ نَاهٍ عَنِ الْمُنْكَرِ, مَا مِنْ خَيْرٍ آجِلٍ وَلَا عَاجِلٍ إِلَّا وَفِيهِ الدَّلَالَةُ عَلَيْهِ وَالدَّعْوَةُ إِلَيْهِ وَالْبَيَانُ لَهُ, وَمَا مِنْ شَرٍّ عَاجِلٍ وَلَا آجِلٍ إِلَّا وَفِيهِ النَّهْيُ عَنْهُ وَالتَّحْذِيرُ مِنْهُ, فَأَيْنَ هَذَا مِنْ مَقَاصِدِ الشَّيَاطِينِ؟ الثَّانِي: عَجْزُهُمْ عَنْهُ فَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا يَسْتَطِيعُونَ} أَيْ: لَوِ انْبَغَى لَهُمْ مَا اسْتَطَاعُوهُ؛ لِأَنَّهُ كَلَامُ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَيْسَ يُشْبِهُ كَلَامَ شَيْءٍ مِنَ الْمَخْلُوقِينَ, وَلَيْسَ فِي وُسْعِهِمُ الْإِتْيَانُ بِهِ وَلَا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} [الْإِسْرَاءِ: ٨٨] . الثَّالِثُ: عَزْلُهُمْ عَنِ السَّمْعِ وَطَرْدُهُمْ عَنْ مَقَاعِدِهِ الَّتِي كَانُوا يَقْعُدُونَ مِنَ السَّمَاءِ قَبْلَ نُزُولِ الْقُرْآنِ, فَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ} فَبَيَّنَ تَعَالَى -مَعَ كَوْنِهِ لَا يَنْبَغِي لَهُمْ- أَنَّهُ لَوِ انْبَغَى مَا اسْتَطَاعُوا الْإِتْيَانَ بِهِ أَوْ بِمِثْلِهِ لَا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ وَلَا نَقْلًا عَنْ غَيْرِهِمْ مِنَ الْمَلَائِكَةِ, نَفَى عَنْهُمُ الْأَوَّلَ بِعَدَمِ الِاسْتِطَاعَةِ وَالثَّانِيَ بِعَزْلِهِمْ عَنِ السَّمْعِ وَطَرْدِهِمْ مِنْهُ, قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الْحِجْرِ: ٩] إِلَى قَوْلِهِ: {وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ، وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ، إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ} [الْحِجْرِ: ١٦-١٨] وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ، وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ، لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ

<<  <  ج: ص:  >  >>