يَسْتَكْمِلْهَا لَمْ يَسْتَكْمِلِ الْإِيمَانَ١. وَهَذَا الْمَعْنَى هُوَ الَّذِي أَرَادَ الْبُخَارِيُّ إِثْبَاتَهُ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ وَعَلَيْهِ بَوَّبَ أَبْوَابَهُ كُلَّهَا, فَقَالَ: "بَابُ أُمُورِ الْإِيمَانِ" وَ"بَابُ الصَّلَاةِ مِنَ الْإِيمَانِ" وَ"بَابُ الزَّكَاةِ مِنَ الْإِيمَانِ" وَ"بَابُ الْجِهَادِ مِنَ الْإِيمَانِ" وَ"بَابُ حُبِّ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْإِيمَانِ" وَ"بَابُ الْحَيَاءِ مِنَ الْإِيمَانِ" وَ"بَابُ صَوْمِ رَمَضَانَ احْتِسَابًا مِنَ الْإِيمَانِ" وَ"بَابُ اتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ مِنَ الْإِيمَانِ" وَ"بَابُ أَدَاءِ الْخُمْسِ مِنَ الْإِيمَانِ" وَسَائِرَ أَبْوَابِهِ. وَكَذَلِكَ صَنَعَ النَّسَائِيُّ فِي الْمُجْتَبَى, وَبَوَّبَ التِّرْمِذِيُّ عَلَى حَدِيثِ وَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ "بَابُ مَا جَاءَ فِي إِضَافَةِ الْفَرَائِضِ إِلَى الْإِيمَانِ" وَكَلَامُ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ وَتَرَاجِمُهُمْ فِي كُتُبِهِمْ يَطُولُ ذِكْرُهُ وَهُوَ مَعْلُومٌ مَشْهُورٌ, وَمِمَّا قَصَدُوهُ بِذَلِكَ الرَّدُّ عَلَى أَهْلِ البدع ممن قالوا: هُوَ مُجَرَّدُ التَّصْدِيقِ فَقَطْ؛ كَابْنِ الرَّاوَنْدِيِّ وَمَنْ وَافَقَهُ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرِهِمْ, إِذْ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ يَكُونُ الْيَهُودُ الَّذِينَ أَقَرُّوا بِرِسَالَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وَاسْتَيْقَنُوهَا وَلَمْ يَتَّبِعُوهُ مُؤْمِنِينَ بِذَلِكَ, وَقَدْ نَفَى اللَّهُ الْإِيمَانَ عَنْهُمْ.
وَقَالَ جَهْمُ بْنُ صَفْوَانَ وَأَتْبَاعُهُ: هُوَ الْمَعْرِفَةُ بِاللَّهِ فَقَطْ. وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ لَيْسَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ كَافِرٌ بِالْكُلِّيَّةِ, إذ لا يجهل الْخَالِقَ سُبْحَانَهُ أَحَدٌ, وَمَا أَحْسَنَ مَا قَالَهُ الْعَلَّامَةُ ابْنُ الْقَيِّمِ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي نُونِيَّتِهِ الْكَافِيَةِ الشَّافِيَةِ:
قَالُوا: وَإِقْرَارُ الْعِبَادِ بِأَنَّهُ ... خَلَّاقُهُمْ هُوَ مُنْتَهَى الْإِيمَانِ
وَالنَّاسُ مِنَ الْإِيمَانِ شَيْءٌ وَاحِدٌ ... كَالْمُشْطِ عِنْدَ تَمَاثُلِ الْأَسْنَانِ
فَاسْأَلْ أَبَا جَهْلٍ وَشِيعَتَهُ وَمَنْ ... وَالَاهُمُو مِنْ عَابِدِي الْأَوْثَانِ
وَسَلِ الْيَهُودَ وَكُلَّ أَقْلَفَ مُشْرِكٍ ... عَبَدَ الْمَسِيحَ مُقَبِّلَ الصُّلْبَانِ
وَاسْأَلْ ثَمُودَ وَعَادَ بَلْ سَلْ قَبْلَهُمْ ... أَعْدَاءَ نُوحٍ أُمَّةَ الطُّوفَانِ
وَاسْأَلْ أَبَا الْجِنِّ اللَّعِينَ أَتَعْرِفُ الْـ ... ـخَلَّاقَ أَمْ أَصْبَحْتَ ذَا نُكْرَانِ
وَاسْأَلْ شِرَارَ الْخَلْقِ واَقْبَحَ أُمَّةٍ ... لُوطِيَّةٍ هُمْ نَاكِحُو الذُّكْرَانِ
وَاسْأَلْ كَذَاكَ إِمَامَ كُلِّ مُعَطِّلٍ ... فِرْعَوْنَ مَعْ قَارُونَ مَعْ هَامَانِ
١ رواه البخاري "١/ ٤٥" في الإيمان، باب قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "بني الإسلام على خمس ... " تعليقا, ووصله أحمد في الإيمان "الفتح ١/ ٤٧" وابن أبي شيبة في الإيمان "ص٤٥/ ح١٣٥" وسنده صحيح.