للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الِاسْمُ بِغَيْرِهِ صَارَ دَالًّا على بعض تلك الْمُسَمَّيَاتِ, وَالِاسْمُ الْمَقْرُونُ بِهِ دَالًّا عَلَى بَاقِيهَا, وَهَذَا كَاسْمِ الْفَقِيرِ وَالْمِسْكِينِ فَإِذَا أُفْرِدَ أَحَدُهُمَا دَخَلَ فِيهِ كُلُّ مَنْ هُوَ مُحْتَاجٌ, فَإِذَا قُرِنَ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ دَلَّ أَحَدُ الِاسْمَيْنِ عَلَى بَعْضِ أَنْوَاعِ ذَوِي الْحَاجَاتِ وَالْآخَرُ عَلَى بَاقِيهَا, فَهَكَذَا اسْمُ الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ إِذَا أُفْرِدَ أَحَدُهُمَا دَخَلَ فِيهِ الْآخَرُ وَدَلَّ بِانْفِرَادِهِ عَلَى مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْآخَرُ بِانْفِرَادِهِ, فَإِذَا قُرِنَ بَيْنَهُمَا دَلَّ أَحَدُهُمَا عَلَى بَعْضِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ بِانْفِرَادِهِ وَدَلَّ الْآخَرُ عَلَى الْبَاقِي. قَالَ: وَقَدْ صَرَّحَ بِهَذَا الْمَعْنَى جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ, قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ فِي رِسَالَتِهِ إِلَى أَهْلِ الْجَبَلِ: قَالَ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ: إِنَّ الْإِيمَانَ قَوْلٌ وَعَمَلٌ, وَالْإِسْلَامُ فِعْلُ مَا فَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ يَفْعَلَهُ, إِذَا ذُكِرَ كُلُّ اسْمٍ عَلَى حِدَتِهِ مَضْمُومًا إِلَى الْآخَرِ فَقِيلَ: الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُسْلِمُونَ جَمِيعًا مُفْرَدَيْنَ أُرِيدُ بِأَحَدِهِمَا مَعْنًى لَمْ يُرَدْ بِهِ الْآخَرُ, وَإِذَا ذُكِرَ أَحَدُ الِاسْمَيْنِ شَمِلَ الْكُلَّ وَعَمَّهُمْ.

وَقَدْ ذَكَرَ هَذَا الْمَعْنَى أَيْضًا الْخَطَّابِيُّ فِي كِتَابِهِ مَعَالِمُ السُّنَنِ, وَتَبِعَهُ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ مِنْ بَعْدِهِ١.

قُلْتُ: كَلَامُ الْخَطَّابِيِّ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ ابْنُ رَجَبٍ ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَالَ: قَالَ الْإِمَامُ أَبُو سُلَيْمَانَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْخَطَّابِيُّ الْبَسْتِيُّ الْفَقِيهُ الْأَدِيبُ الشَّافِعِيُّ الْمُحَقِّقُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى, فِي كِتَابِهِ مَعَالِمُ السُّنَنِ: مَا أَكْثَرَ مَا يَغْلَطُ النَّاسُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ, فَأَمَّا الزُّهْرِيُّ فَقَالَ: الْإِسْلَامُ الْكَلِمَةُ وَالْإِيمَانُ الْعَمَلُ, وَاحْتَجَّ بِالْآيَةِ يَعْنِي: قَوْلَهُ عَزَّ وَجَلَّ: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} [الْحُجُرَاتِ: ١٤] . وَذَهَبَ غَيْرُهُ إِلَى أَنَّ الْإِسْلَامَ وَالْإِيمَانَ شَيْءٌ وَاحِدٌ, وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [الذَّارِيَاتِ: ٣٥، ٣٦] قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَقَدْ تَكَلَّمَ فِي هَذَا الْبَابِ رَجُلَانِ مِنْ كُبَرَاءِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَصَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِلَى قَوْلٍ مِنْ هَذَيْنِ, وَرَدَّ الْآخَرُ مِنْهُمَا عَلَى الْمُتَقَدِّمِ وَصَنَّفَ كِتَابًا يَبْلُغُ عَدَدُ أَوْرَاقِهِ الْمِئِينَ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَالصَّحِيحُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يُقَيَّدَ الْكَلَامُ فِي هَذَا


١ جامع العلوم والحكم لابن رجب "ص٣٤".

<<  <  ج: ص:  >  >>