للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْعَبْدِ وَدَوَامُ اسْتِحْضَارِهِ, وَإِيثَارُ مُحِبَّةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ عَلَى مَحَبَّةِ مَا سِوَاهُمَا, وَالْحُبُّ فِي اللَّهِ وَالْبُغْضُ فِيهِ وَالْعَطَاءُ لَهُ وَالْمَنْعُ لَهُ, وَأَنْ يَكُونَ جَمِيعُ الْحَرَكَاتِ وَالسَّكَنَاتِ لَهُ, وَسَمَاحَةُ النُّفُوسِ بِالطَّاعَةِ الْمَالِيَّةِ وَالْبَدَنِيَّةِ وَالِاسْتِبْشَارُ بِعَمَلِ الْحَسَنَاتِ وَالْفَرَحُ بِهَا وَالْمَسَاءَةُ بِعَمَلِ السَّيِّئَاتِ وَالْحُزْنُ عَلَيْهَا, وَإِيثَارُ الْمُؤْمِنِينَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ, وَكَثْرَةُ الْحَيَاءِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ, وَمَحَبَّةُ مَا يُحِبُّهُ لِنَفْسِهِ لِإِخْوَانِهِ الْمُؤْمِنِينَ وَمُوَاسَاةُ الْمُؤْمِنِينَ خُصُوصًا الْجِيرَانَ وَمُعَاضَدَةُ الْمُؤْمِنِينَ وَمُنَاصَرَتُهُمْ وَالْحُزْنُ بِمَا يُحْزِنُهُمْ. ثُمَّ سَاقَ مِنَ النُّصُوصِ فِي ذَلِكَ جُمْلَةً وَافِيَةً, قَالَ: وَالرِّضَا بِرُبُوبِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى تَتَضَمَّنُ الرِّضَا بِعِبَادَتِهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ, وَالرِّضَا بِتَدْبِيرِهِ لِلْعَبْدِ وَاخْتِيَارِهِ لَهُ, وَالرِّضَا بِالْإِسْلَامِ دِينًا يَتَضَمَّنُ اخْتِيَارَهُ عَلَى سَائِرِ الْأَدْيَانِ, وَالرِّضَا بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ سَلَّمَ رَسُولًا يَتَضَمَّنُ الرِّضَا بِجَمِيعِ مَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَقَبُولَ ذَلِكَ بِالتَّسْلِيمِ وَالِانْشِرَاحِ, كَمَا قَالَ تَعَالَى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: ٦٥] ا. هـ١. وَنُصُوصُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَأَقْوَالُ أَئِمَّةِ الدِّينِ -سَلَفًا وَخَلَفًا- فِي هَذَا الْبَابِ يَطُولُ ذِكْرُهَا.

ثُمَّ اعْلَمْ يَا أَخِي أَرْشَدَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ أَنَّ الْتِزَامَ الدِّينِ الَّذِي يَكُونُ بِهِ النَّجَاةُ مِنْ خِزْيِ الدُّنْيَا وَعَذَابِ الْآخِرَةِ وَبِهِ يَفُوزُ الْعَبْدُ بِالْجَنَّةِ وَيُزَحْزَحُ عَنِ النَّارِ, إِنَّمَا هُوَ مَا كَانَ عَلَى الْحَقِيقَةِ فِي كُلِّ مَا ذُكِرَ فِي حَدِيثِ جِبْرِيلَ وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِنَ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ, وَمَا لَمْ يَكُنْ مِنْهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَلَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ مَا يُنَاقِضُهُ أُجْرِيَتْ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْمُسْلِمِينَ فِي الدُّنْيَا وَوُكِّلَتْ سَرِيرَتُهُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى, قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} [التَّوْبَةِ: ١١] وَفِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: {فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} وَغَيْرَهَا مِنَ الْآيَاتِ. وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُسَامَةَ فِي قَتْلِهِ الْجُهَنِيَّ بَعْدَ أَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَقَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَقَتَلْتَهُ"؟! قَالَ: قَلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا قَالَهَا خَوْفًا مِنَ السِّلَاحِ, قَالَ: "أَفَلَا شَقَقْتَ


١ جامع العلوم والحكم لابن رجب "ص٣٨".

<<  <  ج: ص:  >  >>