للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْهُ, وَلَا يَقْبَلُ دِينًا مِمَّنِ ابْتَغَى غَيْرَهُ وَرَغِبَ عَنْهُ, فَإِنَّ عِبَادَةَ اللَّهِ تَعَالَى الَّتِي خَلَقَ الْخَلْقَ لَهَا وَقَضَى عَلَيْهِمْ إِفْرَادَهُ تَعَالَى بِهَا هِيَ أَمْرٌ جَامِعٌ لِكُلِّ مَا يُحِبُّهُ تَعَالَى وَيَرْضَاهُ, اعْتِقَادًا وَقَوْلًا وَعَمَلًا, وَمَعْرِفَةُ مَحَابِّهِ تَعَالَى وَمَرْضَاتِهِ لَا تَحْصُلُ إِلَّا مِنْ طَرِيقِ الشَّرْعِ الَّذِي أَرْسَلَ بِهِ رَسُولَهُ وَأَنْزَلَ بِهِ كِتَابَهُ: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آلِ عِمْرَانَ: ٣١] . وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي النَّوْعِ الثَّانِي مِنْ أَنْوَاعِ التَّوْحِيدِ تَحْقِيقَ الشَّهَادَتَيْنِ وَبَيَانَ تَلَازُمِهِمَا وَتَوْضِيحَ نَوَاقِضِهِمَا, وَبَسَطْنَا الْكَلَامَ هُنَاكَ وَحَرَّرْنَا مِنَ الْأَدِلَّةِ مَا يُغْنِي عَنِ الْإِعَادَةِ هُنَا.

"فَاثْبُتْ" أَيُّهَا الْعَبْدُ الْمُرِيدُ نَجَاةَ نَفْسِهِ مِنَ النَّارِ وَالْفَوْزَ بِالْجَنَّةِ عَلَى هَذَا الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ النَّيِّرِ الْوَاضِحِ الْجَلِيِّ, وَلَا تَسْتَوْحِشْ مِنْ قِلَّةِ السَّالِكِينَ, وَإِيَّاكَ أَنْ تَنْحَرِفَ عَنْهُ فَتَهْلِكَ مَعَ الْهَالِكِينَ, فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُنَادِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ: "يَا آدَمُ" فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ, فَيَقُولُ: "أَخْرِجْ بَعْثَ النَّارِ" فَيَقُولُ: مِنْ كَمْ؟ فَيَقُولُ: "مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعَمِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ" فَالنَّاجِي حِينَئِذٍ وَاحِدٌ مِنْ أَلْفٍ١, فَاغْتَنِمْ أَنْ تَكُونَ مِنْ تِلْكَ الْآحَادِ, وَاحْذَرْ أَنْ تَغْتَرَّ بِجُمُوعِ الضَّلَالَةِ فَتَكُونَ مِنْ حَطَبِ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ.

"وَاعْتَصِمْ" أَيِ: اسْتَمْسِكْ "بِالْعُرْوَةِ" أَيْ: بِالْعَقْدِ الْأَوْثَقِ فِي الدِّينِ وَالسَّبَبِ الْمُوَصِّلِ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ "الْوُثْقَى" تَأْنِيثُ الْأَوْثَقِ "الَّتِي لَا تَنْفَصِمُ" أَيْ: لَا تَنْقَطِعُ, وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْكَلَامِ عَلَى: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ أَنَّهَا هِيَ الْعُرْوَةُ الْوُثْقَى, وَذَلِكَ وَاضِحٌ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الْبَقَرَةِ: ٢٥٦] وَتَقَدَّمَ أَنَّ شَهَادَةَ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالْإِيمَانَ بِهِ هُوَ شَرْطٌ فِي الْإِيمَانِ بِاللَّهِ, وَمَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ فِي الشَّهَادَةِ الْأُولَى فَهُوَ شَرْطٌ فِي الثَّانِيَةِ.


١ يومئ إلى حديث رواه البخاري "١١/ ٣٨٨" في الرقاق، باب قوله عز وجل: {إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ} وفي الحج والتوحيد والأنبياء, ومسلم "١/ ٢٠١/ ح٢٢٢" في الإيمان، باب قوله: "يقول الله لآدم: "أخرج بعث النار, من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين".

<<  <  ج: ص:  >  >>