للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَيُقَالُ: قَدْ عَمَّرْتَ مَا كُنْتَ مُعَمَّرًا. قَالَ: فَيُضَيَّقُ عَلَيْهِ قَبْرُهُ وَيَلْتَئِمُ فَهُوَ كَالْمَنْهُوشِ يَنَامُ, أَوْ يَفْزَعُ تَهْوِي إِلَيْهِ هَوَامُّ الْأَرْضِ وَحَيَّاتُهَا وَعَقَارِبُهَا١.

وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كُلُّ أَهْلِ النَّارِ يَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الْجَنَّةِ فَيَقُولُ: لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي, فَتَكُونَ عَلَيْهِ حَسْرَةً قَالَ: وَكُلُّ أَهْلِ الْجَنَّةِ يَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ فَيَقُولُ: لَوْلَا أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي قَالَ: فَيَكُونُ لَهُمُ الشُّكْرُ" ٢ وَقَدْ تَقَدَّمَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عِنْدَ مُسْلِمٍ: "بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سِتًّا: طُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا" ٣ الْحَدِيثَ, وَحَدِيثُهُ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ: «بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سَبْعًا: هَلْ تَنْتَظِرُونَ إِلَّا» إِلَى: «فَقْرٍ مُنْسٍ» الْحَدِيثَ.

وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ" ٥.

وَلِلْحَاكِمِ عَنْهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لِرَجُلٍ وَهُوَ يَعِظُهُ: "اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ, وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ, وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ, وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ, وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ" ٦. يَعْنِي أَنَّ هَذِهِ الْخَمْسَ: أَيَّامَ الشَّبَابِ وَالصِّحَّةِ وَالْغِنَى وَالْفَرَاغِ وَالْحَيَاةِ هِيَ أَيَّامُ الْعَمَلِ وَالتَّأَهُّبِ وَالِاسْتِعْدَادِ وَالِاسْتِكْثَارِ مِنَ الزَّادِ, فَمَنْ فَاتَهُ الْعَمَلُ فِيهَا لَمْ يُدْرِكْهُ عِنْدَ مَجِيءِ أَضْدَادِهَا, وَلَا يَنْفَعْهُ التَّمَنِّي لِلْأَعْمَالِ بَعْدَ التَّفْرِيطِ مِنْهُ وَالْإِهْمَالِ فِي زَمَنِ الْفُرْصَةِ وَالْإِمْهَالِ فَإِنَّ بَعْدَ كُلِّ شَبَابٍ هَرَمًا وَبَعْدَ كُلِّ صِحَّةٍ سَقَمًا وَبَعْدَ كُلِّ غِنًى فَقْرًا وَبَعْدَ كُلِّ فَرَاغٍ شُغْلًا وَبَعْدَ كُلِّ حَيَاةٍ مَوْتًا, فَمَنْ فَرَّطَ فِي الْعَمَلِ أَيَّامَ الشَّبَابِ لَمْ يُدْرِكْهُ فِي


١ أخرجه ابن أبي الدنيا في ذكر الموت "الدر المنثور ٦/ ١١٤" وابن أبي حاتم "ابن كثير ٣/ ٢٢٦".
٢ رواه أحمد "٢/ ٥١٢" والنسائي في الكبرى كما في تحفة الأشراف "٩/ ٣٧٤" وسنده صحيح.
٣ مسلم "٤/ ٢٢٦٦/ ح٢٩٤٦" في الفتن، وقد تقدم سابقا.
٤ رواه الترمذي "٤/ ٥٥٢/ ح٢٣٠٦" والنسائي "٤/ ٤" وقد تقدم سابقا, وأن سنده ضعيف فيه محرز بن هارون وهو منكر الحديث.
٥ رواه البخاري "١١/ ٢٢٩" في الرقاق، باب ما جاء في الرقاق، وأن العيش عيش الآخرة.
٦ الحاكم في مستدركه "٤/ ٣٠٦" وقال: على شرط الشيخين ولم يخرجاه, ووافقه الذهبي.

<<  <  ج: ص:  >  >>