وَسَيَأْتِي فِي الْأَحَادِيثِ كَيْفِيَّةُ احْتِضَارِ الْمُؤْمِنِ, وَالْكَافِرِ قَرِيبًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ: أَنَّهُ إِذَا كَانَ يَفْعَلُ بِهِ هَذَا وَهُوَ مُحْتَضِرٌ بَيْنَ ظَهَرَانَيْ أَهْلِهِ صَغِيرِهِمْ وَكَبِيرِهِمْ وَذَكَرِهِمْ وَأُنْثَاهُمْ وَهُمْ لَا يَرَوْنَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَلَا يَسْمَعُونَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ التَّقْرِيعِ وَالتَّوْبِيخِ وَلَا يَدْرُونَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ الضَّرْبِ, غَيْرَ أَنَّهُمْ يَرَوْنَ مُجَرَّدَ احْتِضَارِهِ وَسِيَاقِ نَفْسِهِ لَا يَعْلَمُونَ بِشَيْءٍ مِمَّا يُقَاسُونَ الشَّدَائِدَ, فَلِأَنْ يُفْعَلَ بِهِ فِي قَبْرِهِ ذَلِكَ وَأَعْظَمُ مِنْهُ وَلَا يَعْلَمُهُ مَنْ كَشَفَ عَنْهُ أَوْلَى وَأَظْهَرُ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَطَّلِعُوا عَلَى مَا يَنَالُهُ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ فَكَيْفَ وَقَدِ انْتَقَلَ إِلَى عَالَمٍ غَيْرِ عَالَمِهِمْ وَدَارٍ غَيْرِ دَارِهِمْ, فَلَا بُدَّ لِلْمُخَالِفِ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ: إِمَّا أَنْ يُقِرَّ بِمَا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ فِي الْمُحْتَضِرِ فَيُلْزِمُهُمْ مَا وَرَدَ فِي عَذَابِ الْقَبْرِ, أَوْ يَجْحَدُ هَذَا وَهَذَا, فَيَكْفُرُ بِتَكْذِيبِهِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ, فَبَشَّرَهُ بِتَأْوِيلِ هَذِهِ الْآيَةِ إِذَا صَارَ إِلَى مَا صَارَ إِلَيْهِ الْمُكَذِّبُونَ.
وَقَالَ: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إِبْرَاهِيمَ: ٢٧] وَهَذِهِ الْآيَةُ نَصُّهَا فِي عَذَابِ الْقَبْرِ بِصَرِيحِ الْأَحَادِيثِ الْآتِيَةِ وَبِاتِّفَاقِ أَئِمَّةِ التَّفْسِيرِ مِنَ الصَّحَابَةِ فَالتَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ, وَإِنَّ الْمُرَادَ بِالتَّثْبِيتِ هُوَ عِنْدَ السُّؤَالِ فِي الْقَبْرِ حَقِيقَةً, وَأَنَّ مَنْ أَنْكَرَ ذَاكَ اعْتِمَادًا عَلَى كَوْنِهِ لَا يَرَاهُ وَلَا يَسْمَعُهُ فَقَدْ أَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ.
وَقَالَ تَعَالَى: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [الْمُؤْمِنُونَ: ٩٩] . روى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ بِسَنَدِهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهَا قَالَتْ: وَيْلٌ لِأَهْلِ الْمَعَاصِي مِنْ أَهْلِ الْقُبُورِ, تَدْخُلُ عَلَيْهِمْ فِي قُبُورِهِمْ حَيَّاتٌ سُودٌ -أَوْ دُهْمٌ- حَيَّةٌ عِنْدَ رَأْسِهِ وَحَيَّةٌ عِنْدَ رِجْلَيْهِ, يَقْرُصَانِهِ حَتَّى يَلْتَقِيَا فِي وَسَطِهِ, فَذَلِكَ الْعَذَابُ فِي الْبَرْزَخِ الَّذِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [الْمُؤْمِنُونَ: ٩٩] ١. وَتَقَدَّمَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي ذَلِكَ قَرِيبًا, وَسَيَأْتِي الْأَحَادِيثُ فِيهِ.
١ أخرجه ابن أبي حاتم "الدر المنثور ٦/ ١١٤ وابن كثير ٣/ ٢٦٦" وفي سنده علي بن زيد بن جدعان, وهو ضعيف.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute