للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْعَرْشِ, وَإِنَّ أَرْوَاحَ آلِ فِرْعَوْنَ فِي أَجْوَافِ طُيُورٍ سُودٍ تَغْدُو عَلَى جَهَنَّمَ وَتَرُوحُ عَلَيْهَا, فَذَلِكَ عَرْضُهَا١.

وَفِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ الطَّوِيلِ الَّذِي أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هَارُونَ الْعَبْدِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِيهِ: "ثُمَّ انْطَلَقَ بِي إِلَى خَلْقٍ كَثِيرٍ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ, رِجَالٍ, كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ بَطْنُهُ مِثْلُ الْبَيْتِ الضَّخْمِ, مُصَفَّدُونَ عَلَى سَابِلَةِ آلِ فِرْعَوْنَ, وَآلُ فِرْعَوْنَ يُعْرَضُونَ عَلَى النَّارِ غُدُوًّا وَعَشِيًّا {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} وَآلُ فِرْعَوْنَ كالإبل المسومة يخبطون الْحِجَارَةَ وَالشَّجَرَ وَلَا يَعْقِلُونَ"٢.

وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ فِي قِصَّةِ الْيَهُودِيَّةِ الَّتِي قَالَتْ لَهَا: وَقَاكِ اللَّهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ فَأَنْكَرَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ذَلِكَ, فَلَمَّا رَأَتِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَتْ لَهُ: فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا" قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: ثُمَّ قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعْدَ ذَلِكَ: "وَإِنَّهُ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّكُمْ تُفْتَنُونَ فِي قُبُورِكُمْ" ٣ وَسَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ قَرِيبًا.

قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: فَيُقَالُ: مَا الْجَمْعُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ كَوْنِ الْآيَةِ مَكِّيَّةً وَفِيهَا الدَّلَالَةُ عَلَى عَذَابِ الْبَرْزَخِ؟

وَالْجَوَابُ: أَنَّ الْآيَةَ دَلَّتْ عَلَى عَرْضِ الْأَرْوَاحِ عَلَى النَّارِ غُدُوًّا وَعَشِيًّا فِي الْبَرْزَخِ, وَلَيْسَ فِيهَا دَلَالَةٌ -يَعْنِي تَامَّةً- عَلَى اتِّصَالِ تَأَلُّمِهَا بِأَجْسَادِهَا فِي الْقُبُورِ, إِذْ قَدْ يَكُونُ ذَلِكَ مُخْتَصًّا بِالرُّوحِ, فَأَمَّا حُصُولُ ذَلِكَ لِلْجَسَدِ فِي الْبَرْزَخِ وَتَأَلُّمُهُ بِسَبَبِهِ فَلَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ إِلَّا السُّنَّةُ فِي الْأَحَادِيثِ الْمَرْضِيَّةِ. وَقَدْ يُقَالُ: إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ إِنَّمَا دَلَّتْ عَلَى عَذَابِ الْكُفَّارِ فِي الْبَرْزَخِ, وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يُعَذِّبَ الْمُؤْمِنُ فِي قَبْرِهِ بِذَنْبِهِ. وَهَذَا الْجَوَابُ هُوَ الرَّاجِحُ عِنْدِي لِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّمَا يُفْتَنُ


١ أخرجه ابن أبي حاتم "ابن كثير ٤/ ٨٨" وفي سنده ليث بن أبي سليم وهو ضعيف. ورواه ابن جرير "٢٤/ ٧١" من رواية الثوري من كلام هزيل بن شرحبيل.
٢ أخرجه ابن جرير "١٥/ ١٣" وغيره وأبو هارون العبدي متروك متهم. وفي الصحيح غنية عنه.
٣ البخاري "٢/ ٥٣٨" في الكسوف، باب التعوذ من عذاب القبر في الكسوف، ومسلم "٢/ ٦٢١/ ح٩٠٣" فيه، باب ذكر عذاب القبر في صلاة الخسوف.

<<  <  ج: ص:  >  >>