للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَوْلُهُ فِي الْأَرْضِ أَشْرَفْتَ عَلَيْهَا وَهِيَ مُدَرَةٌ بَالِيَةٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} [الرُّومِ: ٥٠] وَقَوْلُهُ: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [فُصِّلَتْ: ٣٩] وَنَظَائِرُهُ فِي الْقُرْآنِ كَثِيرَةٌ.

وَقَوْلُهُ فَتَنْظُرُونَ إِلَيْهِ وَيَنْظُرُ إِلَيْكُمْ فِيهِ إِثْبَاتُ صِفَةِ التَّجَلِّي لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَإِثْبَاتُ النَّظَرِ لَهُ وَإِثْبَاتُ رُؤْيَتِهِ فِي الْآخِرَةِ وَنَظَرُ الْمُؤْمِنِينَ إِلَيْهِ.

وَقَوْلُهُ كَيْفَ وَنَحْنُ مِلْءُ الْأَرْضِ وَهُوَ شَخْصٌ وَاحِدٌ قَدْ جَاءَ هَذَا الْحَدِيثُ وَفِي قَوْلِهِ فِي حَدِيثٍ آخَرَ "لَا شَخْصَ أَغْيَرُ مِنَ اللَّهِ" ١ وَالْمُخَاطَبُونَ بِهَذَا قَوْمٌ عَرَبٌ يَعْلَمُونَ الْمُرَادَ مِنْهُ وَلَا يَقَعُ فِي قُلُوبِهِمْ تَشْبِيهُهُ سُبْحَانَهُ بِالْأَشْخَاصِ, بَلْ هُمْ أَشْرَفُ عُقُولًا وَأَصَحُّ أَذْهَانًا وَأَسْلَمُ قُلُوبًا مِنْ ذَلِكَ, وَحَقَّقَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وُقُوعَ الرُّؤْيَةِ عِيَانًا بِرُؤْيَةِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ تَحْقِيقًا لَهَا وَنَفْيًا لِتَوَهُّمِ الْمَجَازِ الَّذِي يَظُنُّهُ الْمُعَطِّلُونَ.

وَقَوْلُهُ فَيَأْخُذُ رَبُّكَ بِيَدِهِ غَرْفَةً مِنَ الْمَاءِ فَيَنْضَحُ بِهَا قَبْلَكُمْ فِيهِ إِثْبَاتُ صِفَةِ الْيَدِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِقَوْلِهِ وَإِثْبَاتُ الْفِعْلِ الَّذِي هُوَ النَّضْحُ, والريطة الْمُلَاءَةُ والحمم جَمْعُ حُمَمَةٍ وَهِيَ الْفَحْمَةُ.

وَقَوْلُهُ "ثُمَّ يَنْصَرِفُ نَبِيُّكُمْ" هَذَا انْصِرَافٌ مِنْ مَوْضِعِ الْقِيَامَةِ إِلَى الْجَنَّةِ.

وَقَوْلُهُ وَيُفَرَّقُ عَلَى أَثَرِهِ الصَّالِحُونَ أَيْ يَفْزَعُونَ وَيَمْضُونَ عَلَى أَثَرِهِ قَوْلُهُ فَتَطَّلِعُونَ عَلَى حَوْضِ نَبِيِّكُمْ ظَاهِرُ هَذَا أَنَّ الْحَوْضَ مِنْ وَرَاءِ الْجِسْرِ فَكَأَنَّهُمْ لَا يَصِلُونَ إِلَيْهِ حَتَّى يَقْطَعُوا الْجِسْرَ وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "بَيْنَا أَنَا قَائِمٌ عَلَى الْحَوْضِ إِذَا زُمْرَةٌ حَتَّى إِذَا عَرَفْتُهُمْ خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ بَيْنِي وَبَيْنِهِمْ فَقَالَ لَهُمْ هَلُمَّ فَقُلْتُ إِلَى أَيْنَ فَقَالَ: إِلَى النَّارِ وَاللَّهِ قُلْتُ مَا شَأْنُهُمْ قَالَ إِنَّهُمُ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ فَلَا أَرَاهُ يَخْلُصُ مِنْهُمْ إِلَّا مَثَلُ هَمَلِ النَّعَمِ" ٢ قَالَ: فَهَذَا الْحَدِيثُ مَعَ صِحَّتِهِ أَدَلُّ دَلِيلٍ عَلَى أَنَّ الْحَوْضَ يَكُونُ


١ رواه مسلم ٢/ ١١٣٦/ ح١٤٩٩ في اللعان من حديث سعد بن عبادة, وعلقه البخاري في التوحيد ٣/ ٣٩٩ مجزوما.
٢ البخاري ١١/ ٤٦٥ في الرقاق باب في الحوض.

<<  <  ج: ص:  >  >>