للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَوْلُهُ فِي نِسَاءِ الْجَنَّةِ غَيْرَ أَنْ لَا تَوَالُدَ قَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ هَلْ تَلِدُ نِسَاءُ أَهْلِ الْجَنَّةِ على قولين فقال: ت طَائِفَةٌ لَا يَكُونُ فِيهَا حَبَلٌ وَلَا وِلَادَةٌ وَاحْتَجَّتْ هَذِهِ الطَّائِفَةُ بِهَذَا الْحَدِيثِ, وَبِحَدِيثٍ آخَرَ أَظُنُّهُ فِي الْمُسْنَدِ وَفِيهِ "غَيْرَ أَنَّ لَا مَنِيَّ وَلَا مَنِيَّةَ١.

وَأَثْبَتَتْ طَائِفَةٌ مِنَ السَّلَفِ الْوِلَادَةَ فِي الْجَنَّةِ, وَاحْتَجَّتْ بِمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الصِّدِّيقِ النَّاجِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْمُؤْمِنُ إِذَا اشْتَهَى الْوَلَدَ فِي الْجَنَّةِ كَانَ حَمْلُهُ، وَوَضْعُهُ وَسِنُّهُ فِي سَاعَةٍ كَمَا يَشْتَهِي" قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ غَرِيبٌ, وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ٢.

قَالَتِ الطَّائِفَةُ الْأُولَى هَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى وُقُوعِ الْوِلَادَةِ فِي الْجَنَّةِ, فَإِنَّهُ عَلَّقَهُ بِالشَّرْطِ فَقَالَ: "إِذَا اشْتَهَى وَلَكِنَّهُ لَا يَشْتَهِي" وَهَذَا تَأْوِيلُ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ حَكَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْهُ قَالُوا وَالْجَنَّةُ دَارُ جَزَاءٍ عَلَى الْأَعْمَالِ وَهَؤُلَاءِ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الْجَزَاءِ, قَالُوا وَالْجَنَّةُ دَارُ خُلُودٍ وَلَا يَمُوتُ فِيهَا, فَلَوْ تَوَالَدَ فِيهَا أَهْلُهَا عَلَى الدَّوَامِ وَالْأَوَابِدِ لَمَا وَسِعَتْهُمْ, وَإِنَّمَا وَسِعَتْهُمُ الدُّنْيَا بِالْمَوْتِ وَأَجَابَتِ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ وَقَالَتْ إِذًا إِنَّمَا تَكُونُ لِلْمُحَقَّقِ وُقُوعُهُ لَا الْمَشْكُوكِ فِيهِ, وَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ يُنْشِئُ فِي الْجَنَّةِ خَلْقًا لِيُسْكِنَهُمْ إِيَّاهَا بِلَا عَمَلٍ, قَالُوا وَأَطْفَالُ الْمُسْلِمِينَ أَيْضًا فِيهَا بِغَيْرِ عَمَلٍ, وَأَمَّا مِنْ حَيْثُ سَعَتِهَا فَلَوْ رُزِقَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَشَرَةَ آلَافٍ مِنَ الْوَلَدِ وَسِعَتْهُمْ, فَإِنَّ أَدْنَاهُمْ مَنْ يُنْظَرُ فِي مُلْكِهِ مَسِيرَةَ أَلْفَيْ عَامٍ.

وَقَوْلُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَقْصَى مَا نَحْنُ بَالِغُونَ وَمُنْتَهُونَ لَا جَوَابَ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِأَنَّهُ إِنْ أَرَادَ أَقْصَى مدة الدنيا وانتهاءها فَلَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ وَإِنْ أَرَادَ أَقْصَى مَا نَحْنُ بَالِغُونَ إِلَيْهِ بَعْدَ دُخُولِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ, فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ أَقْصَى مَا يَنْتَهِي إِلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ.


١ أخرجه الطبراني من حديث أبي أمامة حادي الأرواح ص١٧٩, وسنده ضعيف جدا فيه خالد بن يزيد بن عبد الرحمن بن أبي مالك وهو ضعيف, وله شاهد ضعيف من حديثه في مسند الحسن بن سفيان, فيه علي بن زيد الألهاني فالحديث ضعيف لا يقوى بهما.
٢ الترمذي ٤/ ٦٩٥/ ح٢٥٦٣ في صفة الجنة باب ما جاء ما لأدنى أهل الجنة من الكرامة وابن ماجه ٢/ ١٤٥٢/ ح٤٣٣٨ في الزهد باب صفة الجنة, وأحمد ٣/ ٩ والدارمي ٢/ ٣٣٧ وسنده جيد.

<<  <  ج: ص:  >  >>