للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْقُرْآنِ وَلَا فِيمَا أَخْبَرَتْ بِهِ الرُّسُلُ عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ, بَلْ زَعَمُوا أَنَّ هَذَا الْعَالَمَ يَعْدَمُ عَدَمًا مَحْضًا وَلَيْسَ الْمَعَادُ هُوَ بَلْ عَالَمٌ آخَرُ غَيْرُهُ, فَحِينَئِذٍ تَكُونُ الْأَرْضُ الَّتِي تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا وَتُخْبِرُ بِمَا عُمِلَ عَلَيْهَا مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ لَيْسَتْ هِيَ هَذِهِ, وَتَكُونُ الْأَجْسَادُ الَّتِي تُعَذَّبُ وَتُجَازَى وَتَشْهَدُ عَلَى مَنْ عَمِلَ بِهَا الْمَعَاصِي لَيْسَتْ هِيَ الَّتِي أُعِيدَتْ بَلْ هِيَ غَيْرُهَا, وَالْأَبْدَانُ التي تنعم في الجنة وَتُثَابُ لَيْسَتْ هِيَ الَّتِي عَمِلَتِ الطَّاعَةَ وَلَا أَنَّهَا تَحَوَّلَتْ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ, بَلْ هِيَ غَيْرُهَا تُبْتَدَأُ ابْتِدَاءً مَحْضًا, فَأَنْكَرُوا مَعَادَ الْأَبْدَانِ وَزَعَمُوا أَنَّ الْمَعَادَ بَدَاءَةٌ أُخْرَى وَمَا أَحْسَنَ مَا قَالَهُ ابْنُ الْقَيِّمِ رَحِمَهُ اللَّهُ فِيهِمْ فِي كَافِيَتِهِ.

وَقَضَى بِأَنَّ اللَّهَ يَجْعَلُ خَلْقَهُ ... عَدَمًا وَيُقَلِّبُهُ وُجُودًا ثَانِي

الْعَرْشُ وَالْكُرْسِيُّ وَالْأَرْوَاحُ وَالْـ ... أَمْلَاكُ وَالْأَفْلَاكُ وَالْقَمَرَانِ

وَالْأَرْضُ وَالْبَحْرُ وَالْمُحِيطُ وَسَائِرُ الْـ ... أَكْوَانِ مِنْ عَرْضٍ وَمِنْ جُثْمَانِ

كُلٌّ سَيُفْنِيهِ الْفَنَاءُ الْمَحْضُ لَا ... يَبْقَى لَهُ أَثَرٌ كَظِلِّ فَانِ

وَيُعِيدُ ذَا الْمَعْدُومِ أَيْضًا ثَانِيًا ... مَحْضُ الْوُجُودِ إِعَادَةٌ بِزَمَانِ

هَذَا الْمَعَادُ وَذَلِكَ الْمَبْدَأُ لَدَى ... جَهْمٍ وَقَدْ نَسَبُوهُ لِلْقُرْآنِ

هَذَا الَّذِي قَادَ ابْنَ سِينَا وَالْأُلَى ... قَالُوا مَقَالَتَهُ إِلَى الْكُفْرَانِ

لَمْ تَقْبَلِ الْأَذْهَانُ ذَا وَتَوَهَّمُوا ... أَنَّ الرَّسُولَ عَنَاهُ بِالْإِيمَانِ

هَذَا كِتَابُ اللَّهِ أَنَّى قَالَ ذَا ... أَوْ عَبْدُهُ الْمَبْعُوثُ بِالْبُرْهَانِ

أَوْ صَحْبُهُ مِنْ بَعْدِهِ أَوْ تَابِعٌ ... لَهُمُو عَلَى الْإِيمَانِ وَالْإِحْسَانِ

بَلْ صَرَّحَ الْوَحْيُ الْمُبِينُ بِأَنَّهُ ... حَقًّا مُغَيِّرُ هَذِهِ الْأَكْوَانِ

فَيُبَدِّلُ الله السماوات العلا ... وَالْأَرْضَ أَيْضًا ذَانِ تَبْدِيلَانِ

وَهُمَا كَتَبْدِيلِ الجلود لساكني ... النيران عِنْدَ النُّضْجِ مِنْ نِيرَانِ

وَكَذَاكَ يَقْبِضُ أَرْضَهُ وَسَمَاءَهُ ... بِيَدَيْهِ مَا الْعَدَمَانِ مَقْبُوضَانِ

وَتُحَدِّثُ الْأَرْضُ الَّتِي كُنَّا بِهَا ... أَخْبَارَهَا فِي الْحَشْرِ لِلرَّحْمَنِ

وَتَظَلُّ تَشْهَدُ وَهِيَ عَدْلٌ بِالَّذِي ... مِنْ فَوْقِهَا قَدْ أَحْدَثَ الثَّقَلَانِ

أَفَيَشْهَدُ الْعَدَمُ الَّذِي هُوَ كَاسْمِهِ ... لَا شَيْءَ هَذَا لَيْسَ فِي الْإِمْكَانِ

لَكِنْ تُسَوَّى ثُمَّ تبسط ثم تشهد ... ثُمَّ تُبَدَّلُ وَهِيَ ذَاتُ كِيَانِ

<<  <  ج: ص:  >  >>