للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [التحريم: ٨] وَرَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَأَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "أَنَا أَوَّلُ مَنْ يُؤْذَنُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِالسُّجُودِ, وَأَوَّلُ مَنْ يُؤْذَنُ لَهُ بِرَفْعِ رَأْسِهِ, فَأَنْظُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ وَمِنْ خَلْفِي، وَعَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي فَأَعْرِفُ أُمَّتِي مِنْ بَيْنِ الْأُمَمِ" فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ يَا نَبِيَّ اللَّهِ: كَيْفَ تَعْرِفُ أُمَّتَكَ مِنْ بَيْنِ الْأُمَمِ مَا بَيْنَ نُوحٍ إِلَى أُمَّتِكَ، فَقَالَ: "أَعْرِفُهُمْ, مُحَجَّلُونَ مِنْ أَثَرِ الْوُضُوءِ، وَلَا يَكُونُ لِأَحَدٍ مِنَ الْأُمَمِ غَيْرِهِمْ, وَأَعْرِفُهُمْ يُؤْتَوْنَ كُتُبَهُمْ بِأَيْمَانِهِمْ, وَأَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ فِي وَجُوهِهِمْ, وَأَعْرِفُهُمْ بِنُورِهِمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ" ١، وَقَالَ الضَّحَّاكُ: لَيْسَ أَحَدٌ إِلَّا يُعْطَى نُورًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ, فَإِذَا انْتَهَوْا إِلَى الصِّرَاطِ طُفِئَ نُورُ الْمُنَافِقِينَ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ الْمُؤْمِنُونَ أَشْفَقُوا أَنْ يُطْفَأَ نُورُهُمْ كَمَا طُفِئَ نُورُ الْمُنَافِقِينَ فَقَالُوا: رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَقَالَ الْحَسَنُ رَحِمَهُ اللَّهُ: {يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ} [الْحَدِيدِ: ١٢] قَالَ على الصراط اهـ.

وَقَدْ أَنْكَرَ الصِّرَاطَ وَالْمُرُورَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْبِدْعَةِ وَالْهَوَى مِنَ الْخَوَارِجِ، وَمَنْ تَابَعَهُمْ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ, وَتَأَوَّلُوا الْوُرُودَ بِرُؤْيَةِ النَّارِ لَا أَنَّهُ الدُّخُولُ وَالْمُرُورُ عَلَى ظَهْرِهَا وَذَلِكَ لِاعْتِقَادِهِمْ أَنَّ مَنْ دَخَلَ النَّارَ لَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَلَوْ بِالْإِصْرَارِ عَلَى صَغِيرَةٍ فَخَالَفُوا الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَالْجَمَاعَةَ وَرَدُّوا الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ فِي الْوُرُودِ وَالْمَقَامِ الْمَحْمُودِ وَالشَّفَاعَةِ؛ وَلِذَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِيمَا رَوَى ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ أَنَّ نَافِعَ بْنَ الْأَزْرَقِ مَارَى ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي الْوُرُودِ, فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا هُوَ الدُّخُولُ وَقَالَ نَافِعٌ لَيْسَ الْوُرُودُ الدُّخُولَ, فَتَلَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَوْلَهُ تَعَالَى: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ} [الْأَنْبِيَاءِ: ٩٨] أَدَخَلَهَا هَؤُلَاءِ أَمْ لَا ثُمَّ قَالَ يَا نَافِعُ أَمَا وَاللَّهِ أَنْتَ وَأَنَا سَنَرِدُهَا, وَأَنَا أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَنِي اللَّهُ مِنْهَا, وَمَا أَرَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُخْرِجَكَ مِنْهَا بِتَكْذِيبِكَ٢.


١ أخرجه الحاكم في المستدرك ٢/ ٤٧٨ وأخرجه ابن أبي حاتم وابن مردويه كما في الدر المنثور ٨/ ٥٢ وهو حديث صحيح في سند الحاكم عبد الله بن صالح كاتب الليث, تابعه عند ابن أبي حاتم كما في تفسير ابن كثير ٤/ ٣٣٠ ابن أخي ابن وهب.
٢ تقدم ذكره سابقا, وتمامه فضحك نافع أي استهزاء.

<<  <  ج: ص:  >  >>