للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ الْجَمْعُ بَيْنَ ذِكْرِ الشَّفَاعَتَيْنِ الْأُولَى فِي فَصْلِ الْقَضَاءِ وَالثَّانِيَةُ فِي اسْتِفْتَاحِ بَابِ الْجَنَّةِ, وَسُمِّيَ ذَلِكَ كُلُّهُ الْمَقَامَ الْمَحْمُودَ هَذَا أَيْ مَا ذُكِرَ وَهَاتَانِ الشَّفَاعَتَانِ الْمَذْكُورَتَانِ اللَّتَانِ هُمَا الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ قَدْ خُصَّتَا أَيْ جَعَلَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى خَاصَّتَيْنِ بِهِ أَيْ بِنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَيْسَتَا لِأَحَدٍ غَيْرِهِ بِلَا نُكْرَانِ بَيْنَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ, بَلْ وَلَمْ يُنْكِرْهُمَا الْمُعْتَزِلَةُ الَّذِينَ أَنْكَرُوا الشَّفَاعَةَ الثَّالِثَةَ فِي إِخْرَاجِ عُصَاةِ الْمُوَحِّدِينَ مِنَ النَّارِ, وَهِيَ الْمُشَارُ إِلَيْهَا بِقَوْلِنَا:

وَثَالِثًا يَشْفَعُ فِي أَقْوَامٍ ... مَاتُوا عَلَى دِينِ الْهُدَى الْإِسْلَامِ

وَأَوْبَقَتْهُمْ كَثْرَةُ الْآثَامِ ... فَأُدْخِلُوا النَّارَ بِذَا الْإِجْرَامِ

أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا إِلَى الْجِنَانِ ... بِفَضْلِ رَبِّ الْعَرْشِ ذِي الْإِحْسَانِ

فَهَذِهِ الشَّفَاعَةُ حَقٌّ يُؤْمِنُ بِهَا أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ كَمَا آمَنَ بِهَا الصَّحَابَةُ رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ وَدَرَجَ عَلَى الْإِيمَانِ بِذَلِكَ التَّابِعُونَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ, وَأَنْكَرَهَا فِي آخِرِ عَصْرِ الصَّحَابَةِ الْخَوَارِجُ, وَأَنْكَرَهَا فِي عَصْرِ التَّابِعِينَ الْمُعْتَزِلَةُ وَقَالُوا بِخُلُودِ مَنْ دَخَلَ النَّارَ مِنْ عُصَاةِ الْمُوَحِّدِينَ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَيَشْهَدُونَ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيَصُومُونَ رَمَضَانَ وَيَحُجُّونَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ وَيَسْأَلُونَ اللَّهَ الْجَنَّةَ وَيَسْتَعِيذُونَ بِهِ مِنَ النَّارِ فِي كُلِّ صَلَاةٍ وَدُعَاءٍ, غَيْرَ أَنَّهُمْ مَاتُوا مُصِرِّينَ عَلَى مَعْصِيَةٍ عَمَلِيَّةٍ عَالِمِينَ بِتَحْرِيمِهَا مُعْتَقِدِينَ مُؤْمِنِينَ بِمَا جَاءَ فِيهِ الْوَعِيدُ الشَّدِيدُ, فَقَضَوْا بِتَخْلِيدِهِمْ فِي جَهَنَّمَ مَعَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ, فَجَحَدُوا قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ} [ص: ٢٨] وَقَوْلَهُ عَزَّ وَجَلَّ {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [الجاثية: ٢١] وقول تَعَالَى {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} [الْقَلَمِ: ٣٥-٣٧] وَغَيْرَهَا مِنَ الْآيَاتِ, وَسَائِرَ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ.

وَقَالَ الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَقَالَ حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ حَدَّثَنَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى

<<  <  ج: ص:  >  >>