أَقَرُّوا طَوْعًا وَقَالُوا: بَلَى, وَأَهْلُ الشَّقَاوَةِ قَالُوا تَقِيَّةً وَكَرْهًا. وَذَلِكَ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا} .
وَاخْتَلَفُوا فِي مَوْضِعِ الْمِيثَاقِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: بِبَطْنِ نُعْمَانَ وَادٍ إِلَى جَنْبِ عَرَفَةَ, وَرُوِيَ عَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ بِدَهْنَاءَ مِنْ أَرْضِ الْهِنْدِ وَهُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي هَبَطَ آدَمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَيْهِ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: بَيْنَ مَكَّةَ وَالطَّائِفِ, وَقَالَ السُّدِّيُّ: أَخْرَجَ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنَ الْجَنَّةِ فَلَمْ يُهْبِطْهُ مِنَ السَّمَاءِ ثُمَّ مَسَحَ ظَهْرَهُ فَأَخْرَجَ ذُرِّيَّتَهُ, وَرُوِيَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخْرَجَهُمْ جَمِيعًا وَصَوَّرَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ عُقُولًا يَعْلَمُونَ بِهَا وَأَلْسُنًا يَنْطِقُونَ بِهَا ثُمَّ كَلَّمَهُمْ قُبُلًا يَعْنِي عِيَانًا, وَقَالَ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ؟ وَقَالَ الزَّجَّاجُ: وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ تَعَالَى جَعَلَ لِأَمْثَالِ الذَّرِّ فَهْمًا تَعْقِلُ بِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ} [النَّمْلِ: ١٨] قَالَ الْبَغَوِيُّ: فَإِنْ قِيلَ مَا مَعْنَى قَوْلِهِ: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} وَإِنَّمَا أَخْرَجَهُمْ مِنْ ظَهْرِ آدَمَ, قِيلَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخْرَجَ ذُرِّيَّةَ آدَمَ بَعْضَهُمْ عَنْ ظُهُورِ بَعْضٍ عَلَى نَحْوِ مَا يَتَوَالَدُ الْأَبْنَاءُ مِنَ الْآبَاءِ فِي التَّرْتِيبِ فَاسْتَغْنَى عَنْ ذِكْرِ ظَهْرِ آدَمَ لَمَّا عُلِمَ أَنَّهُمْ كُلَّهُمْ بَنُوهُ وَأُخْرِجُوا مِنْ ظَهْرِهِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} أَيْ: أَشْهَدَ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ قَوْلُهُ: {شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا} قَرَأَ أَبُو عَمْرٍو أَنْ يَقُولُوا أَوْ يَقُولُوا بِالْيَاءِ فِيهِمَا, وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالتَّاءِ فِيهِمَا وَاخْتَلَفُوا فِي قَوْلِهِ {شَهِدْنَا} قَالَ السُّدِّيُّ: هُوَ خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ نَفْسِهِ وَمَلَائِكَتِهِ أَنَّهُمْ شَهِدُوا عَلَى إِقْرَارِ بَنِي آدَمَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ خَبَرٌ عَنْ قَوْلِ بَنِي آدَمَ أَشْهَدَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ فَقَالُوا بَلَى شَهِدْنَا. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ الْمَلَائِكَةِ وَفِيهِ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ؛ لَمَّا قَالَتِ الذُّرِّيَّةُ بَلَى قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِلْمَلَائِكَةِ اشْهَدُوا قَالُوا شَهِدْنَا, قوله: {أَنْ تَقُولُوا} يَعْنِي وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنْ يَقُولُوا أَيْ: لِئَلَّا يَقُولُوا أَوْ كَرَاهِيَةَ أَنْ يَقُولُوا, وَمَنْ قَرَأَ بِالتَّاءِ فَتَقْدِيرُ الْكَلَامِ أُخَاطِبُكُمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ؟ لِئَلَّا تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ أَيْ: عَنْ هَذَا الْمِيثَاقِ وَالْإِقْرَارِ, فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يُلْزِمُ الْحُجَّةَ وَاحِدًا لَا يَذْكُرُ الْمِيثَاقَ؟ قِيلَ قَدْ أَوْضَحَ اللَّهُ تَعَالَى الدَّلَائِلَ عَلَى وَحْدَانِيَّتِهِ وَصِدْقِ رُسُلِهِ فِيمَا أَخْبَرُوا فَمَنْ أَنْكَرَهُ كَانَ مُعَانِدًا نَاقِضًا لِلْعَهْدِ وَلَزِمَتْهُ الْحُجَّةُ, وَبِنِسْيَانِهِمْ وَعَدَمِ حِفْظِهِمْ لَا يَسْقُطُ الِاحْتِجَاجُ بَعْدَ إِخْبَارِ الْمُخْبِرِ صَاحِبِ الْمُعْجِزَةِ قَوْلُهُ: {أَوْ تَقُولُوا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute