للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالُوا بَلَى} الْآيَاتِ وَهُوَ الَّذِي قَالَهُ جُمْهُورُ الْمُفَسِّرِينَ رَحِمَهُمُ اللَّهُ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ, وَهُوَ نَصُّ الْأَحَادِيثِ الثَّابِتَةِ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا.

الْمِيثَاقُ الثَّانِي: مِيثَاقُ الْفِطْرَةِ وَهُوَ أَنَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَطَرَهُمْ شَاهِدِينَ بِمَا أَخَذَهُ عَلَيْهِمْ فِي الْمِيثَاقِ الْأَوَّلِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} [الرُّومِ: ٣٠] الْآيَةَ وَهُوَ الثَّابِتُ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ وَالْأَسْوَدِ بْنِ سَرِيعٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَغَيْرِهَا مِنَ الْأَحَادِيثِ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا.

الْمِيثَاقُ الثَّالِثُ: هُوَ مَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ وَأُنْزِلَتْ بِهِ الْكُتُبُ تَجْدِيدًا لِلْمِيثَاقِ الْأَوَّلِ وَتَذْكِيرًا بِهِ {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} [النِّسَاءِ: ١٦٥] فَمَنْ أَدْرَكَ هَذَا الْمِيثَاقَ وَهُوَ بَاقٍ عَلَى فِطْرَتِهِ الَّتِي هِيَ شَاهِدَةٌ بِمَا ثَبَتَ فِي الْمِيثَاقِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ يَقْبَلُ ذَلِكَ مِنْ أَوَّلِ مَرَّةٍ وَلَا يَتَوَقَّفُ؛ لِأَنَّهُ جَاءَ مُوَافِقًا لِمَا فِي فِطْرَتِهِ وَمَا جَبَلَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ فَيَزْدَادُ بِذَلِكَ يَقِينُهُ وَيَقْوَى إِيمَانُهُ فَلَا يَتَلَعْثَمُ وَلَا يَتَرَدَّدُ وَمَنْ أَدْرَكَهُ وَقَدْ تَغَيَّرَتْ فِطْرَتُهُ عَمَّا جَبَلَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنَ الْإِقْرَارِ بِمَا ثَبَتَ فِي الْمِيثَاقِ الْأَوَّلِ بِأَنْ كَانَ قَدِ اجْتَالَتْهُ الشَّيَاطِينُ عَنْ دِينِهِ وَهَوَّدَهُ أَبَوَاهُ أَوْ نَصَّرَاهُ أَوْ مَجَّسَاهُ فَهَذَا إِنْ تَدَارَكَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِرَحْمَتِهِ فَرَجَعَ إِلَى فِطْرَتِهِ وَصَدَّقَ بِمَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ وَنَزَلَتْ بِهِ الْكُتُبُ نَفَعَهُ الْمِيثَاقُ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي, وَإِنْ كَذَّبَ بِهَذَا الْمِيثَاقِ كَانَ مُكَذِّبًا بِالْأَوَّلِ فَلَمْ يَنْفَعْهُ إِقْرَارُهُ بِهِ يَوْمَ أَخَذَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ حَيْثُ قَالَ {بَلَى} جَوَابًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ} وَقَامَتْ عَلَيْهِ حُجَّةُ اللَّهِ وَغَلَبَتْ عَلَيْهِ الشِّقْوَةُ وَحَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ.

وَمَنْ لَمْ يُدْرِكْ هَذَا الْمِيثَاقَ بِأَنْ مَاتَ صَغِيرًا قَبْلَ التَّكْلِيفِ مَاتَ عَلَى الْمِيثَاقِ الْأَوَّلِ عَلَى الْفِطْرَةِ فَإِنْ كَانَ مِنْ أَوْلَادِ الْمُسْلِمِينَ فَهُمْ مَعَ آبَائِهِمْ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَوْلَادِ الْمُشْرِكِينَ فَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانَ عَامِلًا لَوْ أَدْرَكَهُ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ أَوْلَادِ الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اللَّهُ تَعَالَى إِذْ خَلَقَهُمْ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ" ١. وَفِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:


١ البخاري "١١/ ٤٩٣" في القدر، باب الله أعلم بما كانوا عاملين. و"٣/ ٢٤٥" في الجنائز، باب ما قيل هي أولاد المشركين.
ومسلم "٤/ ٢٠٤٩/ ح٢٦٦٠" في القدر، باب معنى كل مولود يولد على الفطرة.
وأبو داود "٤/ ٢٢٩/ ح٤٧١١" في السنة، باب في ذراري المشركين.
والنسائي "٤/ ٥٩" في الجنائز، باب أولاد المشركين.

<<  <  ج: ص:  >  >>