إِذَا مَرِضْنَا أَتَيْنَاكُمْ نَعُودَكُمْ ... وَتُذْنِبُونَ فَنَأْتِيكُمْ فَنَعْتَذِرُ
وَبَلَغَ بَعْضُ هَؤُلَاءِ أَنَّ عَلِيًّا مَرَّ بِقَتْلَى الْنَهْرَوَانِ فَقَالَ: بُؤْسًا لَكُمْ, لَقَدْ ضَرَّكُمْ مَنْ غَرَّكُمْ. فَقِيلَ: مَنْ غَرَّهُمْ؟ فَقَالَ: الشَّيْطَانُ وَالنَّفْسُ الْأَمَّارَةُ بِالسُّوءِ وَالْأَمَانِي. فَقَالَ هَذَا الْقَائِلُ: كَانَ عَلَيٌّ قَدَرِيًّا, وَإِلَّا فَاللَّهُ غَرَّهُمْ وَفَعَلَ بِهِمْ مَا فَعَلَ وَأَوْرَدَهُمْ تِلْكَ الْمَوَارِدَ. وَاجْتَمَعَ جَمَاعَةٌ مِنْ هَؤُلَاءِ يَوْمًا فَتَذَاكَرُوا الْقَدَرَ, فَجَرَى ذِكْرُ الْهُدْهُدِ وَقَوْلُهُ: {وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ} [النَّمْلِ: ٢٤] فَقَالَ: كَانَ الْهُدْهُدُ قَدَرِيًّا؛ أَضَافَ الْعَمَلَ إِلَيْهِمْ وَالتَّزْيِينَ إِلَى الشَّيْطَانِ وَجَمِيعُ ذَلِكَ فِعْلُ اللَّهِ. وَسُئِلَ بَعْضُ هَؤُلَاءِ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى لِإِبْلِيسَ: {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: ٧٥] أَيَمْنَعُهُ ثُمَّ يَسْأَلُهُ مَا مَنَعَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ قَضَى عَلَيْهِ فِي السِّرِّ مَا مَنَعَهُ فِي الْعَلَانِيَةِ وَلَعَنَهُ عَلَيْهِ. قَالَ لَهُ: فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ} [النِّسَاءِ: ٣٩] إِذَا كَانَ هُوَ الَّذِي مَنَعَهُمْ؟ قَالَ: اسْتِهْزَاءٌ بِهِمْ. قَالَ: فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ: {مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ} [النِّسَاءِ: ١٤٧] ؟ قَالَ: فَعَلَ ذَلِكَ بِهِمْ مِنْ غَيْرِ ذَنْبٍ جَنَوْهُ, بَلِ ابْتَدَأَهُمْ بِالْكُفْرِ ثُمَّ عَذَّبَهُمْ عَلَيْهِ وَلَيْسَ لِلْآيَةِ مَعْنًى. وَقَالَ بَعْضُ هَؤُلَاءِ, وَقَدْ عُوتِبَ عَلَى ارْتِكَابِهِ مَعَاصِي اللَّهِ, فَقَالَ: إِنْ كُنْتُ عَاصِيًا لِأَمْرِهِ فَأَنَا مُطِيعٌ لِإِرَادَتِهِ. وَجَرَى عِنْدَ بَعْضِ هَؤُلَاءِ ذِكْرُ إِبْلِيسَ وَإِبَائِهِ وَامْتِنَاعِهِ مِنَ السُّجُودِ لِآدَمَ, فَأَخَذَ الْجَمَاعَةُ يَلْعَنُونَهُ وَيَذُمُّونَهُ فَقَالَ: إِلَى مَتَى هَذَا اللَّوْمُ؟ وَلَوْ خُلِّيَ لَسَجَدَ, وَلَكِنْ مُنِعَ, وَأَخَذَ يُقِيمُ عُذْرَهُ. فَقَالَ بَعْضُ الْحَاضِرِينَ: تَبًّا لَكَ سَائِرَ الْيَوْمِ, أَتَذُبُّ عَنِ الشَّيْطَانِ وَتَلُومُ الرَّحْمَنَ؟ وَجَاءَ جَمَاعَةٌ إِلَى مَنْزِلِ رَجُلٍ مِنْ هَؤُلَاءِ فَلَمْ يَجِدُوهُ فَلَمَّا رَجَعَ قَالَ: كُنْتُ أُصْلِحُ بَيْنَ قَوْمٍ فَقِيلَ لَهُ: وَأَصْلَحْتَ بَيْنَهُمْ؟ قَالَ: أَصْلَحْتُ إِنْ لَمْ يُفْسِدِ اللَّهُ, فَقِيلَ لَهُ: بُؤْسًا لَكَ أَتُحْسِنُ الثَّنَاءَ عَلَى نَفْسِكَ وَتُسِيءُ الثَّنَاءَ عَلَى رَبِّكَ. وَمُرَّ بِلِصٍّ مَقْطُوعِ الْيَدِ عَلَى بَعْضِ هَؤُلَاءِ فَقَالَ: مِسْكِينٌ مَظْلُومٌ أَجْبَرَهُ عَلَى السَّرِقَةِ ثُمَّ قَطَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا. وَقِيلَ لِبَعْضِهِمْ: أَتَرَى اللَّهَ كَلَّفَ عِبَادَهُ مَا لَا يُطِيقُونَ ثُمَّ يُعَذِّبُهُمْ عَلَيْهِ؟ قَالَ: وَاللَّهِ قَدْ فَعَلَ ذَلِكَ, وَلَكِنْ لَا نَجْسَرْ أَنْ نَتَكَلَّمَ. وَقَالَ بَعْضُ هؤلاء: ذنبة أنذبها أَحَبُّ إِلَيَّ مَنْ عِبَادَةِ الْمَلَائِكَةِ قِيلَ: وَلِمَ؟ قَالَ: لِعِلْمِي بِأَنَّ اللَّهَ قَضَاهَا عَلَيَّ وَقَدَّرَهَا, وَلَمْ يَقْضِهَا إِلَّا وَالْخِيَرَةُ لِي فِيهَا, وَقَالَ بَعْضُ هَؤُلَاءِ: الْعَارِفُ لَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا لِاسْتِبْصَارِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute