تَعَالَى, بَلْ أَثْبَتَ أَنَّ جَمِيعَ الْمَخْلُوقِينَ خَالِقُونَ, وَمَنْ أَثْبَتَهُ مُحْتَجًّا بِهِ عَلَى الشَّرْعِ مُحَارِبًا لَهُ بِهِ نَافِيًا عَنِ الْعَبْدِ قُدْرَتَهُ وَاخْتِيَارَهُ الَّتِي مَنَحَهُ اللَّهُ تَعَالَى إِيَّاهَا وَأَمْرَهُ وَنَهَاهُ وَأَخْبَرَهُ بِحَسَبِهَا زَاعِمًا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَلَّفَ عِبَادَهُ مَا لَا يُطَاقُ فَقَدْ نَسَبَ اللَّهَ تَعَالَى إِلَى الظُّلْمِ وَإِلَى الْعَبَثِ وَإِلَى مَا لَا يَلِيقُ بِهِ, وَرَجَّحَ حُجَّةَ إِبْلِيسَ وَأَثْبَتَهَا وَأَقَامَ عُذْرَهُ وَكَانَ هُوَ إِمَامَهُ فِي ذَلِكَ إِذْ يَقُولُ: {رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي} [الْأَعْرَافِ: ١٦] وَأَمَّا الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا فَيُؤْمِنُونَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ, وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَالِقُ ذَلِكَ كُلِّهِ لَا خَالِقَ غَيْرَهُ وَلَا رَبَّ سِوَاهُ, وَيَنْقَادُونَ لِلشَّرْعِ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ, وَيُصَدِّقُونَ خَبَرَ الْكِتَابِ وَالرَّسُولِ, وَيُحَكِّمُونَهُ فِي أَنْفُسِهِمْ سِرًّا وَجَهْرًا, وَأَنَّ الْهِدَايَةَ وَالْإِضْلَالَ بِيَدِ اللَّهِ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ بِفَضْلِهِ وَرَحْمَتِهِ وَيُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ بِعَدْلِهِ وَحِكْمَتِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَوَاقِعِ فَضْلِهِ وَعَدْلِهِ {هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى} [النَّجْمِ: ٣٠] وَلَهُ فِي ذَلِكَ الْحِكْمَةُ الْبَالِغَةُ وَالْحُجَّةُ الدَّامِغَةُ, وَأَنَّ الثَّوَابَ وَالْعِقَابَ مُتَرَتِّبٌ عَلَى الشَّرْعِ فِعْلًا وَتَرْكًا لَا عَلَى الْقَدَرِ, وَيُعَزُّونَ أَنْفُسَهُمْ بِالْقَدَرِ عِنْدَ الْمَصَائِبِ, وَلَا يَحْتَجُّونَ بِهِ عَلَى الْمَعَاصِي وَالْمَعَايِبِ فَإِذَا وُفِقُوا لِحَسَنَةٍ عَرَفُوا الْحَقَّ لِأَهْلِهِ فَقَالُوا: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا سُبُلَنَا {وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ} [الْأَعْرَافِ: ٤٣] وَلَمْ يَقُولُوا كَمَا قَالَ الْفَاجِرُ {إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي} [الْقَصَصِ: ٧٨] وَإِذَا اقْتَرَفُوا سَيِّئَةً بَاءُوا بِذَنْبِهِمْ وَأَقَرُّوا بِهِ وَقَالُوا كَمَا قَالَ الْأَبَوَانِ: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الْأَعْرَافِ: ٢٣] وَلَمْ يَحْمِلُوا ذَنْبَهُمْ وَظُلْمَهُمْ عَلَى الْقَدَرِ وَيَحْتَجُّوا بِهِ عَلَيْهِ, وَلَمْ يَقُولُوا كَمَا قَالَ إِبْلِيسُ لَعَنَهُ اللَّهُ {رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي} [الْأَعْرَافِ: ١٦] وَإِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ رَضُوا بِقَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ وَاسْتَسْلَمُوا لِتَصَرُّفِ رَبِّهِمْ وَمَالِكِهِمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَقَالُوا كَلِمَةَ الصَّابِرِينَ: {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [الْبَقَرَةِ: ١٥٦] وَلَمْ يَقُولُوا كَمَا قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا {وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [آلِ عِمْرَانَ: ١٥٦] .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute