وكان يتنور في البيت إلا أنه قال لي يومًا، وكان يوما شتويًا: أريد أدخل الحمام بعد المغرب، فقل لصاحب الحمام. فقلت لصاحب الحمام، فلما كان المغرب، فقال: ابعث إليه أني قد ضربت عن الدخول، وتنور في البيت.
واشتريت جارية فشكت إليه أهلي، فقال: كنت أكره لهم الدنيا، وكان ربما بلغني عنكما الشيء. فقالت له: يا عم، ومن يكره الدنيا غيرك؟ ! فقال لها: فشأنك إذن.
"السيرة" لصالح ص ٤٠ - ٤٢
قال صالح: دخلت يوما على أبي أيام الواثق، واللَّه يعلم في أي حالة نحن، وقد خرج لصلاة العصر، وكان له لبد يجلس عليه قد أتى عليه سنون كثيرة حتى قد بلي، فإذا تحته كتاب كاغد، وإذا فيه: بلغني يا أبا عبد اللَّه ما أنت فيه من الضيق، وما عليك من الدين، وقد وجهتُ إليك بأربعة آلاف درهم على يدي فلان لتقضي بها دينك، وتوسع على عيالك، وما هي من صدقة ولا زكاة، وإنما هو شيء ورثته من أبي، فقرأت الكتاب، ووضعته، فلما دخل قلت له: يا أَبَت، ما هذا الكتاب؟ فاحمر وجهه، وقال: رَفَعْتُهُ منك. ثم قال: تذهب بجوابه؟ فكتب إلى الرجل: وصل كتابك إليّ ونحن في عافية، فأما الدَّيْنُ فإنه لرجل لا يُرهقنا، وأما عيالنا فهم في نعمة اللَّه والحمد للَّه، فذهبتُ بالكتاب إلى الرجل الذي كان أَوصل كتاب الرجل، فقال: ويحك، لو أن أبا عبد اللَّه قبل هذا الشيء ورمى به مثلا في دجلة كان مأجورًا؛ لأن هذا الرجل لا يفوت له معروف، فلما كان بعد حين ورد كتاب الرجل بمثل ذلك، فرد عليه الجواب بمثل ما رد، فلما مضت سنة أو أقل أو أكثر ذكرناها، فقال: لو كنا قبلناها كانت قد ذهبت (١).
(١) ذكرها ابن كثير في "البداية والنهاية" ١٠/ ٧٧٨ من رواية عبد اللَّه.