قال عارم بن الفضل: كان أحمد بن حنبل هاهنا عندنا بالبصرة فجاءني بمعضدة له، أو قال: صرة فيها دراهم، فكان كل قليل يجيءُ فيأخذ منها، فقلت له: يا أبا عبد اللَّه بلغني أنك رجل من العرب، فمن أي العرب أنت؟ فقال لي: يا أبا النعمان نحن قوم مساكين. فكان كلما جاء أعدت عليه فيقول لي هذا الكلام، ولا يخبرني حتى خرج من البصرة.
قال المُزَنيّ: قال الشافعي: لما دخلت على هارون الرشيد قلت له بعد المخاطبة: إني خلفت اليمن ضائعة تحتاج إلى حاكم. فقال: انظر رجلًا ممن يجلس إليك حتى نوليه قضاءَها، فلما رجع الشافعي إلى مجلسه، ورأى أحمد بن حنبل من أمثلهم أقبل عليه فقال: إني كلمت أمير المؤمنين أن يولي قاضيًا باليمن، وأنه أمرني أن أختار رجلًا ممن يختلف إلي، وإني قد اخترتك فتهيأ حتى أدخلك على أمير المؤمنين يوليك قضاء اليمن، فأقبل عليه أحمد وقال: إنما جئت إليك لأقتبس منك العلم، تأمرني أن أدخل لهم في القضاء؟ ووبخه، فاستحيا الشافعي (١).