للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والعطش، وما هو فيه من الهول.

قال صالح: وقد كنت ألتمس وأحتال أن أوصل إليه طعاما أو رغيفا، أو رغيفين في هذِه الأيام، فلم أقدر على ذلك.

وأخبرني رجل حضره قال: تفقدته في هذِه الأيام الثلاثة، وهم يناظرونه، ويكلمونه فما لحن، ولا ظننت أن يكون أحد في مثل شجاعته وشدة قلبه.

قال صالح: دخلت على أبي -رحمة اللَّه عليه- يوما، وقلت له: بلغني أن رجلًا جاء إلى فضل الأنماطي، فقال: اجعلني في حل إذ لم أقم بنصرتك.

فقال فضل: لا جعلت أحدًا في حل. فتبسم أبي وسكت، فلما كان بعد أيام قال: مررت بهذه الآية: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [الشورى: ٤٠] فنظرت في تفسيرها، فإذا هو ما حدثني به هاشم بن القاسم قال: حدثنا المبارك قال: حدثني من سمع الحسن يقول: إذا جثت الأمم بين يدي اللَّه تبارك وتعالى يوم القيامة نودوا: ليقم من أجره على اللَّه، فلا يقوم إلا من عفا في الدينا. قال أبي: فجعلت الميت في حل من ضربه إياي، ثم جعل يقول: وما على رجل ألا يعذب اللَّه بسببه أحدًا.

"السيرة" لصالح ص ٥١ - ٦٥

قال حنبل: فلما طال حبس أبي عبد اللَّه، وكان أبي، إسحاق بن حنبل، يختلف في أمره، ويكلم القواد وأصحاب السلطان في أمره، رجاء أن يطلق ويخلى له السبيل. فلما طال ذلك، ولم يره يتم أتى على إسحاق بن إبراهيم فدخل عليه، فقال له: أيها الأمير، إن بيننا وبين الأمير حرمًا، في حرمة منها ما يرعاها الأمير جوار بمرو، وكان والدي حنبل مع جدك الحسين بن مصعب.

قال: قد بلغنى ذلك.

قال: فقلت: فإن رأى الأمير أن يرعى لنا ذلك ويحفظه، وقلت له:

<<  <  ج: ص:  >  >>