قال: فكلمته بكلام، فقال لي: يا أحمد، إني عليك مُشفق، وإن بيننا وبينك حرمة، وقد تألى لئن لم تجبه ليقتلنك.
فقلت له: ما عندي في هذا الأمر إلا الأمر الأول.
فقال لي إسحاق حينئذ، وأمرني، فحملت في زورق إلى دار أبي إسحاق.
قال: وكانت في سراويلي تكة، فلما حولوني من السجن، زادوا في قيودي وثقلت علي القيود ولم أقدر أن أمشي فيها، أخرجت التكة من السراويل وشددت بها قيودي، ثم لففت السراويل لفًّا بغير تكة ولا خيط، فمضى بي إلى دار أبي إسحاق المعتصم، ومعي بغا، ورسول إسحاق بن إبراهيم، فلما صرت إلى دار أبي إسحاق، ثم أخرجت من الزورق وحملت على دابة والأقياد علي، وما معي أحد يمسكني فظننت أني سأخرُّ على وجهي إلى الأرض من ثقل القيود، وسلم اللَّه حتى انتهيت إلى الدار. فأدخلت إلى الدار في جوف الليل وأغلق علي، وأقعد علي رجلان، وليس في البيت سراج، فقمت أصلي ولا أعرف القبلة، فصليت، فلما أصبحت فإذا أنا على القبلة.
قال أبو عبد اللَّه: فلما أدخلت من الغد إلى أبي إسحاق، وهو قاعد وابن أبى دؤاد حاضر، فلما نظر إلي أبو إسحاق فسمعته يقول لهم وقد قربت منهم: أليس زعمتم لي أنه حدث؟ أليس هذا شيخ مكتهل؟
فلا أدري ما احتج به الخبيث عليه، لم أفهمه، وفي الدار كثير من الناس، فلما دنوت سلمت.
فقال لي: ادنه، فلم يزل يدنيني، حتى قربت منه، ثم قال: اجلس، فجلست، وقد أثقلني الحديد والأقياد، فلما مكثت ساعة، قلت له: يا أمير المؤمنين، تأذن لي في الكلام؟ قال: تكلم.