للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نقبت، فسلمه اللَّه من ذلك ورزقه العافية.

قال حنبل: جاء رجل من أهل السجن يقال له: أبو الصبح ممن يبصر الضرب والجراحات، فقال: قد رأيت من ضرب الضرب العظيم، ما رأيت ضربا مثل هذا ولا أشد، فهذا ضرب التلف. ولقد جر عليه الجلادون، قطع اللَّه أيديهم، من قدامه ومن خلفه، وإنما أريد قتله، ثم سبره بالميل مخافة أن تكون نقبت، فلم تكن نقبت.

قال: ورأيت أبا عبد اللَّه وقد أصابت أذنه ضربة فقطعت الجلد، فأنتنت أذنه، فأصابت وجهه غير ضربة مما كان يضطرب. وقال أبو عبد اللَّه: وقال لي بعضهم: يا أبا عبد اللَّه لا تتحرك وانتصب.

قال حنبل: ولما أردنا علاجه خفنا أن يدس ابن أبي دؤاد إلى المعالج فيلقي في دوائه سمًّا يقتله، فعملنا الدواء والمرهم في منزلنا وكان في برينة عندنا، فكان إذا جاء المعالج ليعالجه منها، فإذا فرغ رفعناها، وكان في ضربه شيء من اللحم قد مات فقطعه بسكين، فلم يزل أثر الضرب في ظهره، وكان إذا أصابه البرد ضرب عليه، وإذا آذاه الدم، بعث إلى الحجام في أي وقت فيخرج الدم حتى يسكن عنه ضربان كتفه، وكان يسخن له الماء ليصب عليها. قال حنبل: سمعت أبا عبد اللَّه بعد هذا يقول: ظننت أني قد أعطيت من نفسي المجهود، واللَّه أعلم.

قال حنبل: حضرت أبا عبد اللَّه وإياه رجل وهو في مسجدنا، وكان الرجل حسن الهيبة كأنه كان مع السلطان، فجلس حتى انصرف من كان عند أبي عبد اللَّه ثم دنا منه، فرفعه أبو عبد اللَّه، لما رأى من هيبته، فقال له: يا أبا عبد اللَّه اجعلني في حل.

فقال: ماذا؟ قال: كنت حاضرا يوم ضربت، وما أعنت ولا تكلمت على ضربك، إلا أني حضرت ذلك. فأطرق أبو عبد اللَّه، ثم رفع رأسه إليه فقال:

<<  <  ج: ص:  >  >>