قال الشيخ: واتسع لأبي بكر الصديق لكن وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي ابن أبي طالب -رضي اللَّه عنه- فقال ابن أبي دؤاد: نعم. فأعرض الشيخ عنه، وأقبل على الواثق، فقال يا أمير المؤمنين، قد قدمت لك القول أن أحمد يضيق أو يقل أو يضعف عن المناظرة، يا أمير المؤمنين، إن لم يتسع لك من الإمساك عن هذِه المقالة ما اتسع لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ولأبي بكر وعمر وعثمان وعلي فلا وسع اللَّه على من لم يتسع له ما اتسع لهم من ذلك. فقال الواثق: نعم، إن لم يتسع لنا من الإمساك عن هذِه المقالة ما اتسع لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ولأبي بكر وعمر وعثمان وعلي -رضي اللَّه عنه- فلا وسع اللَّه علينا، اقطعوا قيد الشيخ. فلما قطعوه ضرب الشيخ بيده على القيد ليأخذه، فجذبه الجلاد عليه، فقال الواثق: دع الشيخ ليأخذه. فأخذه الشيخ فوضعه في كمه، فقال الواثق: لم جابذت عليه؟ فقال الشيخ: لأني نويت أن أتقدم إلى من أوصي إليه إذا مت: أن يجعله بيني وبين كفني، حتى أخاصم هذا الظالم عند اللَّه يوم القيامة، وأقول: يا رب، سل عبدك هذا، لم قيدني وروع أهلي وولدي وإخواني بلا حق أوجب ذلك علي؟ وبكى الشيخ، وبكى الواثق، فبكينا، ثم سأله الواثق أن يجعله في حل وسعة مما قال. فقال الشيخ: واللَّه يا أمير المؤمنين، لقد جعلتك في حل وسعة من أول يوم إكرامًا لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إذ كنت رجلًا من أهله. فقال الواثق: لي إليك حاجة. فقال الشيخ: إن كانت ممكنة فعلت. فقال الواثق: تقيم قبلنا، فينتفع بك فتياننا. فقال الشيخ: يا أمير المؤمنين، إنَّ ردك إياي إلى الموضع الذي أخرجني منه هذا الظالم، انفع لك من مقامي عندك، وأخبرك بما في ذلك: أصير إلى أهلي وولدي فأكف دعاءهم عليك، فقد خلفتهم على ذلك. فقال له الواثق: فتقبل منا ما تستعين بها على دهرك. فقال الشيخ: يا أمير المؤمنين، لا تحل لي، أنا عنها غني، وذو مرة سوي. =