فقال: اقرأ علي حديث ليث، قال: قلت لطلحة: إن طاوسا كان يكره الأنين في المرض، فما سُمِع له أدين حتى مات رحمه اللَّه، فقرأت الحديث على أبي، فما سُمع أبي يئن في مرضه ذلك إلى أن توفي، رحمه اللَّه.
قال عبد اللَّه: لما حضرت أبي الوفَاةُ جلستُ عنده وبيدي الخِرْقَة لأَشُدَّ بها لحييه، فجعل يغرق ثم يفيق ثم يفتح عينيه ويقول بيده هكذا: لا بَعْدُ، لا بَعْدُ، لا بَعْدُ، ثلاث مرات، ففعل هذا مرة وثانية، فلما كان في الثالثة قلت له: يا أبت أي شيءٍ هذا؟ قد لهجت به في هذا الوقت، تغرق حتى نقول: قد قَضيْتَ، ثم تعود فتقول: لا بَعْدُ، لا بَعْدُ.
فقال لي: يا بني ما تدري؟ فقلت: لا.
فقال: إبليس لعنه اللَّه قائم حذائي عاضٌّ على أنامله يقول لي: يا أحمد، فُتَّني، وأنا أقول له: لا بَعْدُ، حتى أموت (١).
قال المروذي: مرض أبو عبد اللَّه ليلة الأربعاء لليلتين خلتا من شهر ربيع الأولط سنة إحدى وأربعين ومائتين، ومرض تسعة أيام، فلما اشتدت علته وتسامع الناس أقبلوا لعيادته فكثروا، ولزموا الباب الليل والنهار يبيتون، وسمع السلطان بكثرة الناس، فوكل السلطان ببابه وبباب الزقاق الرابطةَ وأصحاب الأخبار.
(١) قال الذهبي في "السير": هذِه حكاية غريبة، تفرد بها ابن علم، فاللَّه أعلم. وفي "تاريخ دمشق" و"البداية والنهاية" نفس الخبر أيضًا من رواية صالح.