للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٩١٥ - وَحَدَّثَنَا يَحْيَى، ثنا مُسَدَّدٌ، ثنا يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، أَخْبَرَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تُسَافِرُ الْمَرْأَةُ ثَلَاثًا إِلَّا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ» قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَمَنْ قَالَ بِالْأَخْبَارِ كُلِّهَا إِذَا وَجَدَ إِلَى الْقَوْلِ بِهَا سَبِيلًا، قَالَ: ⦗٣٠٧⦘ فَهَذِهِ الْأَخْبَارُ، وَبِالْأَخْبَارِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِيمَا مَضَى مِنَ النَّهْيِ عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ، وَالنَّهْيِ عَنْ جُلُودِ السِّبَاعِ وَالنَّهْيِ عَنْ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ عَمَّ بِالنَّهْيِ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَخُصَّ مِمَّا نَهَى عَنْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا، فَإِذَا خَصَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْجُمْلَةِ شَيْئًا وَجَبَ أَنْ يُسْتَثْنَى مَا خَصَّتْهُ السُّنَّةُ، وَيَبْقَى كُلُّ مُخْتَلِفٍ فِيهِ دَاخِلًا فِي النَّهْيِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَثْنَى غَيْرُ جَائِزٍ الْقِيَاسُ عَلَيْهِ، وَهَذَا عَلَى مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ فِي جُمَلِ مَا قَالُوهُ: وَقَالَتْ هَذِهِ الطَّائِفَةُ فَإِنِ احْتَجَّ مُحْتَجٌّ بِخَبَرِ ابْنِ وَعْلَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «إِذَا دُبِغَ الْإِهَابُ فَقَدْ طَهُرَ» قِيلَ لَهُ: لَا يَجُوزُ أَنْ يُدْفَعَ بِهَذَا الْخَبَرِ أَخْبَارٌ ذَوَاتُ عَدَدٍ، وَذَلِكَ لِوُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ ابْنَ وَعْلَةَ الَّذِي رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ لَا نَعْلَمُهُ يُرْوَى عَنْهُ أَكْثَرُ مِنْ حَدِيثَيْنِ، أَحَدُهُمَا هَذَا الْحَدِيثُ وَالْآخَرُ حَدِيثُهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَحْرِيمِ الْخَمْرِ، وَقَدْ خَالَفَهُ فِي رِوَايَةِ هَذَا الْحَدِيثِ حُفَّاظُ أَصْحَابِ ابْنِ عَبَّاسٍ عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، وَعَطَاءٌ، وَعِكْرِمَةُ، فَخَالِفُوا ابْنَ وَعْلَةَ عَلَى سَبِيلِ مَا ذَكَرْنَاهُ عَنْهُمْ، فَزَعَمَ ابْنُ وَعْلَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ، وَجَعَلَ أُولَئِكَ الْخَبَرَ مَخْصُوصًا فِي جِلْدِ شَاةٍ مَيِّتَةٍ، وَجَعَلَهُ ابْنُ وَعْلَةَ عَامًّا فَفِي مُخَالَفَةِ هَؤُلَاءِ الْحُفَّاظِ إِيَّاهُ فِي إِسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ وَمَتْنِهِ مَا تَبَيَّنَ غَلَطُهُ، وَدَلَّ عَلَى سُوءِ حِفْظِهِ وَلَوْ لَمْ يُسْتَدَلَّ عَلَى غَلَطِ الْمُحَدِّثِ بِمُخَالَفَةِ الْحُفَّاظِ إِيَّاهُ مَا عُرِفَ غَلَطُهُ فِي حَدِيثٍ أَبَدًا وَلَوْ كَانَ خَبَرُهُ يُثْبِتُ مَا جَازَ أَنْ يُدْفَعَ بِهِ نَهْيُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ جُلُودِ السِّبَاعِ لِعِلَّتَيْنِ: إِحْدَاهُمَا: أَنَّ خَبَرَهُ لَيْسَ بِمَنْصُوصٍ فِي جُلُودِ السِّبَاعِ إِنَّمَا هُوَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ⦗٣٠٨⦘ قَالَ: «إِذَا دُبِغَ الْإِهَابُ فَقَدْ طَهُرَ» . وَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ هَلْ يَجُوزُ أَنْ يُسَمَّى جُلُودُ السِّبَاعِ أُهُبًا، فَحَكَى النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ أَنَّ الْعَرَبَ لَا تُسَمِّي جُلُودَ السِّبَاعِ أُهُبًا وَأَنَّ الْأُهُبَ عِنْدَهَا فِي جُلُودِ الْأَنْعَامِ خَاصَّةً، فَإِنِ اعْتَرَضَ مُعْتَرِضٌ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ يَحْتَجُّ بِبَيْتِ شِعْرٍ قَالَهُ عَنْتَرَةُ الْعَبْسِيُّ، فَرَوَاهُ عَلَى غَيْرِ مَا يَجِبُ وَهُوَ قَوْلُهُ:

[البحر الكامل]

فَشَكَكْتُ بِالرُّمْحِ الطَّوِيلِ إِهَابَهُ ... لَيْسَ الْكَرِيمُ عَلَى الْقَنَا بِمُحَرَّمِ

فَقَدْ أَنْكَرَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ هَذِهِ الرِّوَايَةَ، وَقَالُوا: الْمَعْرُوفُ فَشَكَكْتُ بِالرُّمْحِ الطَّوِيلِ ثِيَابَهُ، فَإِذَا بَطَلَتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَبْطُلَ بِغَلَطِ مَنْ غَلِطَ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ أَنْ أُسَمِّيَ الْجُلُودَ أُهُبًا، وَإِذَا لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ بَطَلَ أَنْ يَكُونَ لِمُدَّعٍ فِي خَبَرِ ابْنِ وَعْلَةَ حُجَّةَ، قَالَتْ: وَلَوْ سَمَحْنَا بِأَنْ يَثْبُتَ خَبَرُ ابْنُ وَعْلَةَ، وَسَمَحْنَا بِأَنْ يُوقَعَ اسْمُ الْإِهَابِ عَلَى الْجِلْدِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُدْفَعَ بِخَبَرِ ابْنِ وَعْلَةَ الْأَخْبَارُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا وَلَوْ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ إِنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ: إِذَا دُبِغَ الْإِهَابُ فَقَدْ طَهُرَ، أَيْ أُهُبِ مَا تُؤْكَلُ لُحُومَهَا وَيَكُونُ نَهْيَهُ عَنْ جُلُودِ السِّبَاعِ مَنْصُوصًا مُفَسِّرًا فِي جُلُودِ السِّبَاعِ وَلَا يَكُونُ قَدْ دُفِعَ بِالْخَبَرِ الْعَامِّ الْمُبْهَمِ الْخَبَرَ الْمَنْصُوصَ الْمُفَسَّرَ، وَقَدْ أَجْمَعَ عَوَامُّ مَنِ احْتَجَّ بِخَبَرِ ابْنِ وَعْلَةَ عَلَى الْمَنْعِ مِنَ الِانْتِفَاعِ بِجَلْدِ الْخِنْزِيرِ، وَإِنْ دُبِغَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ كَذَلِكَ فِي جِلْدِ الْكَلْبِ، وَإِذَا جَازَ أَنْ يُسْتَثْنَى بِرَأْيِهِمْ مِنْ جُمْلَةِ خَبَرِ ابْنِ وَعْلَةَ كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ بِالْأَخْبَارِ الثَّابِتَةِ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَهْيهِ ⦗٣٠٩⦘ عَنْ جُلُودِ السِّبَاعِ أَوْلَى وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا دُبِغَ الْإِهَابُ فَقَدْ طَهُرَ» وَثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ جُلُودِ السِّبَاعِ وَجَبَ أَنْ يُمْضَى كُلُّ خَبَرٍ فِيمَا جَاءَ، وَوَجَبَ اسْتِعْمَالُ الْخَبَرَيْنِ جَمِيعًا خَبَرُ ابْنِ وَعْلَةَ فِي الِانْتِفَاعِ بِجَلْدِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ، وَالْأَخْبَارُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي النَّهْيِ عَنْ جُلُودِ السِّبَاعِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَفِي أُصُولِ أَصْحَابِنَا أَنَّ كُلَّ خَبَرَيْنِ جَازَ إِذَا أَمْكَنَ اسْتِعْمَالُهَمَا، أَنْ لَا يُعَطَّلَ أَحَدُهُمَا وَأَنْ يُسْتَعْمَلَا جَمِيعًا مَا وُجِدَ السَّبِيلُ إِلَى اسْتِعْمَالِهِمَا فَمِمَّا هَذَا مِثَالُهُ فِي مَذْهَبِهِمْ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَاسْتِدْبَارِهَا، قَالُوا: ذَلِكَ فِي الصَّحَارِي لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ، قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى لَبِنَتَيْنِ مُسْتَقْبِلَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَاسْتَعْمَلْنَا كُلَّ خَبَرٍ فِي مَوْضِعِهِ، فَاسْتَعْمَلْنَا خَبَرَ ابْنِ عُمَرَ فِي الْمَنَازِلِ، وَخَبَرَ أَبِي أَيُّوبَ فِي الصَّحَارِي إِذْ لَمْ نُعَطِّلْ وَاحِدًا مِنَ الْخَبَرَيْنِ لِإِمْكَانِ أَنْ يُوَجَّهَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَجْهًا غَيْرَ وَجْهِ الْآخَرِ، وَفَعَلُوا مِثْلَ هَذَا فِي أَبْوَابِ صَلَاةِ الْخَوْفِ وَاسْتَعْمَلُوا الْأَخْبَارَ فِيهَا، وَوَجَّهُوا لِكُلِّ حَدِيثٍ مِنْهَا وَجْهًا عَلَى سَبِيلِ مَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَابِ صَلَاةِ الْخَوْفِ، فَمَنْ كَانَ هَذِهِ مَذْهَبُهُ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ بِالْخَبَرَيْنِ جَمِيعًا، وَلَا أَحْسِبُ الشَّافِعِيَّ لَوْ دَفَعَ إِلَيْهِ خَبَرَ أَبِي الْمَلِيحِ عَنْ أَبِيهِ لَقَالَ بِهِ، وَلَمْ يُخَالِفْهُ، كَمَا قَالَ بِالْأَخْبَارِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي مَوَاضِعِهَا، وَاحْتَجَّ بَعْضُ مَنْ يُخَالِفُ بَعْضَ مَا قُلْنَاهُ بِخَبَرِ عَائِشَةَ وَبِخَبَرِ ابْنِ الْمُحَبِّقِ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُمَا فِي أَوَّلِ هَذَا الْكِتَابِ. فَأَمَّا خَبَرُ عَائِشَةَ فَإِنَّمَا رَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ قُسَيْطٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أُمِّهِ، عَنْ عَائِشَةَ وَأُمِّ ⦗٣١٠⦘ مُحَمَّدٍ لَا نَعْلَمُ أَحَدًا رَوَى عَنْهَا غَيْرُ ابْنِهَا وَيَزِيدُ بْنُ قُسَيْطٍ طَعَنَ فِيهِ الَّذِي رَوَى عَنْهُ، قَالَ مَالِكٌ صَاحِبُنَا يَعْنِي يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ قُسَيْطٍ لَيْسَ بِذَلِكَ وَجَوْنُ بْنُ قَتَادَةَ لَا نَعْلَمُ وَاحِدًا رَوَى عَنْهُ غَيْرُ الْحَسَنِ وَحَدِيثُ شَرِيكٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ، وَقَدْ رَوَى جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّهَا سُئِلَتْ عَنِ الْمَسَاتِقِ فَقَالَتْ: لَعَلَّ دِبَاغُهَا أَنْ يَكُونَ ذَكَاءَهَا، وَهَذَا أَجْوَدُ مِنْ إِسْنَادِ حَدِيثِ شَرِيكٍ، وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا كَرِهَتْ جُلُودَ الْمَيْتَةِ بَعْدَ الدِّبَاغِ، وَلَوْ كَانَ عِنْدَهَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَبَرٌ مَا خَالَفَتْهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>