حَقٍّ، وَإِنْ صَالَحَهُمْ مُبْتَدِئًا عَلَى شَيْءٍ انْبَغَى لَهُ أَنْ يُؤَدِّيَهُ إِلَيْهِمْ، إِنَّمَا اطَّرَحَ عَنْهُ مَا اسْتَكْرَهَ.
وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ فِي نَاسٍ مِنَ الْعَدُوِّ اسْتَأْمَنُوا إِلَى الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّهُ يَدْخُلُوا عَلَيْهِمْ بِالْأُسَارَى فَيُفَادُوهُمْ، فَأَمَّنَهُمُ الْمُسْلِمُونَ عَلَى ذَلِكَ، فَدَخَلُوا لَهُمْ، وَأَسْقَطُوا عَلَيْهِمْ فِي الْفِدَاءِ، وَقَالُوا: يُفَادَى كُلُّ رَجُلٍ بِمِائَةِ أَلْفٍ، أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ، أَوْ تَرُدُّونَهُمْ مَعَنَا إِلَى دَارِ الْحَرْبِ، فَلَا يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَرُدَّ أَسْرَى الْمُسْلِمِينَ إِلَى دَارِ الْحَرْبِ، وَلَكِنْ يُفَادُوهُمْ بِمَا يُفَادَى بِهِ مِثْلُهُمْ، فَإِنْ أَبَوْا أَنْ يَرْضَوْا، مَنَعَهُمْ أَنْ يَخْرُجُوا بِهِمْ إِلَى دَارِ الْحَرْبِ، وَقَالَ لَهُمْ: خُذُوا مِنَّا فِدَاءَ مِثْلِهِمْ، وَإِلَّا فَأَنْتُمْ أَعْلَمُ، إِلَّا أَنْ يَعْقُوبَ قَالَ: إِذَا اسْتَطَاعُوا فِي الْفِدَاءِ فَادَى الْإِمَامُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِدِيَتِهِ، وَإِنْ كَانُوا مُكَاتَبِينَ، أَوْ مُدَبَّرِينَ، أَوْ أُمَّهَاتِ أَوْلَادٍ، أَوْ عُبَيْدٍ مُسْلِمِينَ، فَادَاهُمْ بِقِيمَتِهِ، فَإِنْ أَبَوْا أَنْ يَرْضَوْا، لَمْ يَزِدْهُمْ عَلَى ذَلِكَ، وَلَمْ يَدَعْهُمْ أَنْ يَخْرُجُوا بِهِمْ إِلَى دَارِ الْحَرْبِ.
وَاخْتَلَفُوا فِيهِ إِنْ أَرْسَلُوهُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ بِفِدَاءٍ، أَوْ رَجَعَ إِلَيْهِمْ، فَكَانَ الْأَوْزَاعِيُّ يَقُولُ: إِنْ وَجَدَ فَدَاهُ، وَإِلَّا رَجَعَ إِلَيْهِمْ.
وَرُوِّينَا هَذَا الْقَوْلُ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَقَالَ: يَفِي لَهُمْ بِالْعَهْدِ، وَسُئِلَ الْأَوْزَاعِيُّ عَنِ الْعَدُوِّ يُخَلُّونَ سَبِيلَ الْأَسِيرِ وَيَأْخُذُونَ عَلَيْهِ الْعَهْدَ عَلَى أَنَّهُ يَهْرَبُ، وَلَا يُقَاتِلُ، وَيَبْغِيهِمْ شَرًّا فَخَلُّوا سَبِيلَهُ عَلَى هَذَا، هَلْ لَهُ أَنْ يَهْرُبَ؟ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: إِنْ كَانَ جَعَلَ لَهُمْ عَهْدًا فَلْيَفِ بِعَهْدِهِ، وَإِنْ كَانُوا لَمْ يَأْخُذُوا عَلَيْهِ عَهْدًا، فَقَدَرَ عَلَى أَنْ يَهْرُبَ فَلْيَفْعَلْ.
وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ: إِذَا خَلَّوْهُ عَلَى أَنْ لَا يَبْرَحَ مِنْ عِنْدِهِمْ، فَأَعْطَاهُمْ عَلَى ذَلِكَ عَهْدَ اللهِ وَمِيثَاقَهُ، لَا أَرَى أَنْ يُفَارِقَهُمْ، فَإِنْ هُوَ فَعَلَ كَانَ قَدْ خَتَرَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute