للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَمِنْ ذَلِكَ مَا دَلَّ عَلَى قَبُولِ خَبَرِ الْوَاحِدِ، وَأَنَّ خَبَرَهُ حُجَّةٌ يَلْزَمُ قَبُولُهَا، إِذَا كَانَ الْمُخْبِرُ ثِقَةً، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبْعَثَ الْإِمَامُ فِي ذَلِكَ غَيْرَ ثِقَةٍ، لِأَنَّ طَلِيعَةَ رَسُولِ اللهِ كَانَ رَجُلًا وَاحِدًا، وَلَمْ يَكُنِ الرَّسُولُ لِيَبْعَثَ مَنْ يُخْبِرُهُ عَنِ الْعَدُوِّ بِخَبَرٍ، إِلَّا مَنْ يَقْبَلُ ذَلِكَ مِنْهُ، لِأَنَّ ذَلِكَ إِنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ مَا قُلْنَاهُ، فَلَا مَعْنَى لِلْبَعْثَةِ، وَلَا فَائِدَةَ، وَالنَّبِيُّ لَا يَأْمُرُ بِمَا لَا مَعْنَى لَهُ.

وَمِنْ ذَلِكَ الرُّخْصَةُ فِي مَسِيرِ الرَّجُلِ وَحْدَهُ طَلِيعَةً لِجَيشٍ، لِأَنَّ الْخُزَاعِيَّ قَدْ مَضَى وَحْدَهُ سَائِرًا، بِأَمْرِ النَّبِيِّ ، وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى خَبَرِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ : لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مِنَ الْوِحْدَةِ مَا أَعْلَمُ مَا سَارَ رَاكِبٌ بِلَيْلٍ وَحْدَهُ أَبَدًا فِي غَيْرِ بَابِ الضَّرُورَةِ، وَالْحَرْبِ، لَا لِحَاجَةٍ إِلَيْهِ، فَإِذَا كَانَا اثْنَيْنِ فَغَيْرُ مَكْرُوهٍ لَهُمَا السَّيْرُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَحْوَالِ، يَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَاهُ خَبَرُ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ، أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ لَهُ وَلِصَاحِبٍ لَهُ: «إِذَا سَافَرْتُمَا فَأَذِّنَا، وَأَقِيمَا، وَلْيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا» فَإِنِ احْتَجَّ مُحْتَجٌّ بِخَبَرِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ النَّبِيَّ ، قَالَ: «الرَّاكِبُ شَيْطَانٌ، وَالرَّاكِبَانِ شَيْطَانَانِ، وَالثَّلَاثَةُ رَكْبٌ».

فَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْقَوْلِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ، وَقَدْ عَارَضَهُ خَبَرُ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ، وَإِذَا تَعَارَضَتِ الْأَخْبَارُ رُجِعَتِ الْأُمُورُ إِلَى أَنَّهَا عَلَى الْإِبَاحَةِ، حَتَّى نَعْلَمَ حَظْرًا، يَعْنِي خَبَرًا يُعَارِضُهُ.

وَمِنْ ذَلِكَ الرُّخْصَةُ فِي هُجُومِ الْوَاحِدِ عَلَى الْجَمَاعَةِ الْكَثِيرَةِ الْعَدَدِ مِنَ الْعَدُوِّ، اسْتِدْلَالًا بِأَنَّ النَّبِيَّ بَعَثَ عَيْنَهُ الْخُزَاعِيَّ، عَيْنًا وَحْدَهُ إِلَى عَدُوٍّ

<<  <  ج: ص:  >  >>