فَأَمَّا الْكِتَابُ الَّذِي يَدُلُّ عَلَى مَعْنَى مَاذَكَرْنَاهُ فَقَوْلُهُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ﴾ [المائدة: ٦] يَعْنِي وَقَدْ أَحْدَثْتُمْ قَبْلَ ذَلِكَ ﴿فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ﴾ [المائدة: ٦] فَأَوْجَبَ اللهُ ﷿ غَسَلَ الْأَعْضَاءِ الَّتِي ذَكَرَهَا بِالْمَاءِ ثُمَّ قَالَ: ﴿وَإِنَّ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا﴾ [المائدة: ٦] يُرِيدُ الِاغْتِسَالَ بِالْمَاءِ فَأَوْجَبَ الْوُضُوءَ مِنَ الْأَحْدَاثِ وَالِاغْتِسَالَ بِالْمَاءِ مِنَ الْجَنَابَةِ، ثُمَّ قَالَ: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ﴾ [النساء: ٤٣] يُرِيدُ الْجِمَاعَ الَّذِي يُوجِبُ الْجَنَابَةَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً تَتَوَضَّئُونَ بِهِ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ تَغْتَسِلُونَ بِهِ مِنَ الْجَنَابَةِ كَمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ فِي أَوَّلِ الْآيَةِ ﴿فَتَيَمَّمُوا﴾ [المائدة: ٦] فَإِنَّمَا أَوْجَبَ فِي آخِرِ الْآيَةِ التَّيَمُّمَ عَلَى مَا كَانَ أَوْجَبَ عَلَيْهِ الْوُضُوءَ وَالِاغْتِسَالَ بِالْمَاءِ فِي أَوَّلِهَا.
فَأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ: إِنَّ اللهَ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ طَهَارَةَ الْجُنُبِ فِي أَوَّلِ الْآيَةِ ثُمَّ ذَكَرَ الْمُلَامَسَةَ فِي آخِرِ الْآيَةِ مَوْصُولًا بِالْغَائِطِ اسْتَدْلَلْنَا بِذَلِكَ عَلَى أَنَّهَا غَيْرُ الْجَنَابَةِ فَإِنَّمَا كَانَ يَكُونُ مَا قَالُوا دَلِيلًا لَوْ كَانَ أَوْجَبَ عَلَى الْمُلَامِسِ فِي آخِرِ الْآيَةِ الطَّهَارَةَ الَّتِي أَوْجَبَهَا عَلَى الْجُنُبِ فِي أَوَّلِهَا فَكَانَ يَكُونُ حِينَئِذٍ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ الْلَمْسَ غَيْرُ الْجَنَابَةِ لِأَنَّهُ قَدْ أَوْجَبَ الطَّهَارَةَ مِنَ الْجَنَابَةِ فِي أَوَّلِ الْآيَةِ فَلَمْ يَكُنْ إِعَادَةُ إِيجَابِ الطَّهَارَةِ مِنْهَا فِي آخِرِهَا مَعْنَى يَصِحُّ، وَلَكِنَّهُ إِنَّمَا أَوْجَبَ عَلَيْهِ فِي أَوَّلِ الْآيَةِ الِاغْتِسَالَ بِالْمَاءِ وَأَوْجَبَ عَلَيْهِ فِي آخِرِهَا التَّيَمُّمَ بَدَلًا مِنَ الْمَاءِ إِذَا كَانَ مُسَافِرًا لَا يَجِدُ الْمَاءَ أَوْ مَرِيضًا فَهَذَا الْمَعْنَى أَصَحُّ وَأَبَيْنُ وَاللهُ أَعْلَمُ.
وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ
١٥ - قَالَ: حَدَّثَنَا عَلَى بْنُ الْحَسَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أنا وَكِيعٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَبَّلَ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِهِ ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ قَالَ: قُلْتُ: مَا هِيَ إِلَّا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute