لِأَنَّ تِلْكَ الْأَخْبَارِ فِيهَا إِذْنُ النَّبِيِّ ﷺ بِالِانْتِفَاعِ بِجَلْدِ الشَّاةِ الْمَيْتَةِ بَعْدَ الدِّبَاغِ، فَلَا يَكُونُ مُخَالِفًا لِلْأَخْبَارِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا، وَإِذَا أَمْكَنَ لَنَا أَنْ تَكُونَ الْأَخْبَارُ مُخْتَلِفَةً، وَأَمْكَنَ اسْتِعْمَالُهَا فَاسْتِعْمَالُهَا أَوْلَى بِنَا مِنْ أَنْ نَجْعَلَهَا مُتَضَادَّةً، فَيُسْتَعْمَلُ خَبَرُ ابْنِ عُكَيْمٍ فِي النَّهْيِ عَنِ اسْتِعْمَالِ جُلُودِ الْمَيْتَةِ قَبْلَ الدِّبَاغِ وَيُسْتَعْمَلُ خَبَرُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ فِي الِانْتِفَاعِ بِجُلُودِ الْمَيْتَةِ بَعْدَ الدِّبَاغِ.
وَقَالَ آخَرُ: وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ ﷺ جَعَلَ دِبَاغَ الْمَيْتَةِ طَهُورَهَا قَبْلَ مَوْتِهِ بِأَقَلَّ مِنْ شَهْرٍ، وَلَا يَكُونُ خَبَرُ ابْنِ عُكَيْمٍ لَوْ ثَبَتَ نَاسِخًا لَهُ عَلَى أَنَّ خَبَرَ ابْنِ عُكَيْمٍ غَيْرُ ثَابِتٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُخْبِرْ مِنْ حَامِلِ الْكِتَابِ إِلَيْهِمْ، وَلَا مَنْ قَرَأَ الْكِتَابَ عَلَيْهِمْ، وَالْحَدِيثُ مِنْ مَشْيَخَةٍ لَا يُعْرَفُونَ.
وَاعْتَرَضَ مُعْتَرِضٌ مَنِ احْتَجُّوا بِهَا، فَزَعَمَ أَنَّ الِانْتِفَاعَ بِجُلُودِ الْمَيْتَةِ قَبْلَ الدِّبَاغِ جَائِزٌ، بِافْتِرَاشٍ، وَجُلُوسٍ عَلَيْهِ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَعْمَلُ مِنْ ذَلِكَ يَابِسًا، لَا يَكُونُ رَطْبًا يَنْجُسُ الطَّاهِرُ بِمَمَاسَّةِ الرَّطْبِ مِنْهُ، وَاحْتَجَّ بِظَاهِرِ خَبَرِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّمَا حُرِّمَ أَكْلُهَا» وَاحْتَجَّ بِأَنَّهُ مَا لَمْ يُحَرَّمْ مَعْفُوٌّ عَنْهُ، وَذَكَرَ قَوْلَ اللهِ جَلَّ وَعَزَّ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ﴾ [المائدة: ١٠١] إِلَى قَوْلِهِ ﴿عَفَا اللهُ عَنْهَا﴾ [المائدة: ١٠١] الْآيَةَ، قَالَ: فَمَنْ حَظَرَ وَمَنَعَ مِنَ الِانْتِفَاعِ بِجُلُودِ الْمَيْتَةِ فِي غَيْرِ بَابِ الْأَكْلِ فَقَدْ حَظَرَ مَا هُوَ مُبَاحٌ، قَالَ: وَقَدْ أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الِانْتِفَاعَ بِالثَّوْبِ النَّجِسِ بِأَنْ يُلْبَسَ أَشَدُّ، فَإِنَّهُ جَائِزٌ، وَفِي إِجَازَتِهِمْ دَلِيلٌ عَلَى إِبَاحَةِ الِانْتِفَاعِ بِالْأُهُبِ النَّجِسَةِ، وَأَنَّ الَّذِي حُرِّمَ مِنْهُ الْأَكْلُ عَلَى ظَاهِرِ الْحَدِيثِ.
وَقَالَ بَعْضُ مَنْ عَارَضَ هَذَا الْقَائِلَ: لَوْ وَجَبَ اسْتِعْمَالُ ظَاهِرِ خَبَرِ الزُّهْرِيِّ، إِنَّمَا حُرِّمَ أَكْلُهَا لَجَازَ بَيْعُ جِلْدِ الشَّاةِ قَبْلَ أَنْ يُدْبَغَ، أَوْ جَازَتْ هِبَتُهُ، فَلَمَّا مُنِعَ الْجَمِيعُ مِنْ ذَلِكَ دَلَّ عَلَى أَنَّ خَبَرَ الزُّهْرِيِّ إِنَّمَا رُوِيَ عَلَى الِاخْتِصَارِ، وَالْأَخْبَارُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي أَوَّلِ هَذَا الْبَابِ مُفَسِّرَةٌ لِذَلِكَ الْخَبَرِ وَمُبَيِّنَةٌ مَعْنَاهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute