وَالثَّانِي: يُعِيدُ بِكُلِّ حَالٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ، وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: إنْ أَخْطَأَ أَعَادَ، وَإِنْ أَصَابَ فَعَلَى وَجْهَيْنِ، وَأَطْلَقَ الْأَوْجُهَ الثَّلَاثَةَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَالزَّرْكَشِيُّ.
فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّا إذَا قُلْنَا لَا يُعِيدُ: لَا بُدَّ مِنْ التَّحَرِّي. فَلَوْ لَمْ يَتَحَرَّ وَصَلَّى أَعَادَ إنْ أَخْطَأَ، قَوْلًا وَاحِدًا، وَكَذَا إنْ أَصَابَ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَفِيهِ وَجْهٌ لَا يُعِيدُ إنْ أَصَابَ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي شَرْحِهِ الصَّغِيرِ.
الثَّانِيَةُ: لَوْ تَحَرَّى الْمُجْتَهِدُ أَوْ الْمُقَلِّدُ، فَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ جِهَةٌ، أَوْ تَعَذَّرَ التَّحَرِّي عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ فِي ظُلْمَةٍ، أَوْ كَانَ بِهِ مَا يَمْنَعُ الِاجْتِهَادَ، أَوْ تَفَاوَتَتْ عِنْدَهُ الْأَمَارَاتُ، أَوْ لِضِيقِ الْوَقْتِ عَنْ زَمَنٍ يَجْتَهِدُ فِيهِ: صَلَّى وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ كَانَ أَعْمَى أَوْ بَصِيرًا، حَضَرًا أَوْ سَفَرًا، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَنْهُ يُعِيدُ، وَهُوَ وَجْهٌ فِي ابْنِ تَمِيمٍ فِي الْمُجْتَهِد، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: الْمَحْبُوسُ إذَا لَمْ يَعْرِفْ جِهَةً يُصَلِّي إلَيْهَا صَلَّى عَلَى حَسَبِ حَالِهِ وَلَا يُعِيدُ، إنْ كَانَ فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَإِنْ كَانَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَرِوَايَتَانِ وَتَقَدَّمَ كَلَامُ التَّمِيمِيِّ وَالشَّارِحِ فِي الْمَحْبُوسِ قَرِيبًا.
قَوْلُهُ (وَمَنْ صَلَّى بِالِاجْتِهَادِ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ أَخْطَأَ الْقِبْلَةَ فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، سَوَاءٌ كَانَ خَطَؤُهُ يَقِينًا أَوْ عَنْ اجْتِهَادٍ. وَخَرَّجَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ رِوَايَةً يُعِيدُ مِنْ مَسْأَلَةِ " لَوْ بَانَ الْفَقِيرُ غَنِيًّا " وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَذَكَرَ أَبُو الْفَرَجِ الشِّيرَازِيُّ وَغَيْرُهُ: أَنَّ عَلَيْهِ الْإِعَادَةَ إنْ بَانَ خَطَؤُهُ يَقِينًا، وَلَا إعَادَةَ إنْ كَانَ عَنْ اجْتِهَادٍ، وَحُكِيَ عَنْ أَحْمَدَ، نَقَلَهُ ابْنُ تَمِيمٍ. وَفَرَّقَ الْأَصْحَابُ بَيْنَ الْقِبْلَةِ، وَبَيْنَ الْوَقْتِ وَبَيْنَ أَخْذِ الزَّكَاةِ بِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الْيَقِينُ فِي الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ بِأَنْ يُؤَخِّرَ وَفِي الزَّكَاةِ بِأَنْ يَدْفَعَ إلَى الْإِمَامِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute