وَفِي كَلَامِ الْقَاضِي: التَّكَسُّبُ لِلْإِحْسَانِ أَفْضَلُ مِنْ التَّعَلُّمِ؛ لِتَعَدِّيهِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ وَغَيْرِهِ: أَنَّ الطَّوَافَ أَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَذَكَرَهُ عَنْ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ لِلْخَبَرِ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ أَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ قَالَ: نَرَى لِمَنْ قَدِمَ مَكَّةَ أَنْ يَطُوفَ؛ لِأَنَّهُ صَلَاةٌ، وَالطَّوَافُ أَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ، وَالصَّلَاةُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ " الطَّوَافُ لِأَهْلِ الْعِرَاقِ، وَالصَّلَاةُ لِأَهْلِ مَكَّةَ " وَكَذَا عَطَاءٌ، هَذَا كَلَامُ أَحْمَدَ، وَذَكَرَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد عَنْ عَطَاءٍ، وَالْحَسَنِ، وَمُجَاهِدٍ: الصَّلَاةُ لِأَهْلِ مَكَّةَ أَفْضَلُ، وَالطَّوَافُ لِلْغُرَبَاءِ أَفْضَلُ.
قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَدَلَّ مَا سَبَقَ أَنَّ الطَّوَافَ أَفْضَلُ مِنْ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، لَا سِيَّمَا وَهُوَ عِبَادَةٌ بِمُفْرَدِهِ يُعْتَبَرُ لَهُ مَا يُعْتَبَرُ لِلصَّلَاةِ. انْتَهَى. قُلْت: وَفِي هَذَا نَظَرٌ، وَقِيلَ: الْحَجُّ أَفْضَلُ، لِأَنَّهُ جِهَادٌ، وَذَكَرَ فِي الْفُرُوعِ الْأَحَادِيثَ فِي ذَلِكَ، وَقَالَ: فَظَهَرَ أَنَّ نَفْلَ الْحَجِّ أَفْضَلُ مِنْ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ، وَمِنْ الْعِتْقِ وَمِنْ الْأُضْحِيَّةِ، وَعَلَى هَذَا إنْ مَاتَ فِي الْحَجِّ فَكَمَا لَوْ مَاتَ فِي الْجِهَادِ، يَكُونُ شَهِيدًا، وَذَكَرَ الْوَارِدَ فِي ذَلِكَ، وَقَالَ: عَلَى هَذَا فَالْمَوْتُ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ أَوْلَى بِالشَّهَادَةِ عَلَى مَا سَبَقَ، وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: لَيْسَ يُشْبِهُ الْحَجَّ شَيْءٌ، لِلتَّعَبِ الَّذِي فِيهِ، وَلِتِلْكَ الْمَشَاعِرِ، وَفِيهِ مَشْهَدٌ لَيْسَ فِي الْإِسْلَامِ مِثْلُهُ، عَشِيَّةَ عَرَفَةَ، وَفِيهِ إهْلَالُ الْمَالِ وَالْبَدَنِ، وَإِنْ مَاتَ بِعَرَفَةَ فَقَدْ طَهُرَ مِنْ ذُنُوبِهِ، وَنَقَلَ مُهَنَّا: الْفِكْرُ أَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَقَدْ يُتَوَجَّهُ أَنَّ عَمَلَ الْقَلْبِ أَفْضَلُ مِنْ عَمَلِ الْجَوَارِحِ، وَيَكُونُ مُرَادُ الْأَصْحَابِ: عَمَلَ الْجَوَارِحِ، وَلِهَذَا ذَكَرَ فِي الْفُنُونِ رِوَايَةَ مُهَنَّا، فَقَالَ: يَعْنِي الْفِكْرَ فِي آلَاءِ اللَّهِ، وَدَلَائِلِ صُنْعِهِ، وَالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ الَّذِي يُنْتِجُ أَفْعَالَ الْخَيْرِ، وَمَا أَثْمَرَ الشَّيْءُ فَهُوَ خَيْرٌ مِنْ ثَمَرَتِهِ، وَهَذَا ظَاهِرُ الْمِنْهَاجِ، لِابْنِ الْجَوْزِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ: مَنْ انْفَتَحَ لَهُ طَرِيقُ عَمَلٍ بِقَلْبِهِ بِدَوَامِ ذِكْرٍ أَوْ فِكْرٍ: فَذَلِكَ الَّذِي لَا يَعْدِلُ بِهِ النِّيَّةَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute