للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذا مع غض النظر عن قيمة الأحكام التشريعية نفسها من حيث إنها قطع وأجزاء إذا ضمّت إلى بعضها تكوّن منها تنظيم متكامل لبناء دستوري وإداري عظيم.

٢- إن هذه الوثيقة تدل على مدى العدالة التي اتسمت بها معاملة النبي صلّى الله عليه وسلم لليهود، ولقد كان بالإمكان أن تؤتي هذه المسألة العادلة ثمارها فيما بين المسلمين واليهود، لو لم تتغلب على اليهود طبيعتهم من حب للمكر والغدر والخديعة، فما هي إلا فترة وجيزة حتى ضاقوا ذرعا بما تضمنته بنود هذه الوثيقة التي التزموا بها، فخرجوا على الرسول والمسلمين بألوان من الغدر والخيانة سنفصل الحديث عنها في مكانها المناسب إن شاء الله، فكان المسلمون بذلك في حل مما التزموا به تجاههم.

٣- دلت هذه الوثيقة على أحكام هامة في الشريعة الإسلامية نذكر منها ما يلي:

أولا: يدلنا البند الأول منها على أن الإسلام هو وحده الذي يؤلف وحدة المسلمين وهو وحده الذي يجعل منهم أمة واحدة، وعلى أن جميع الفوارق والمميزات فيما بينهم تذوب وتضمحل ضمن نطاق هذه الوحدة الشاملة، تفهم هذا جليا واضحا من قوله عليه الصلاة والسلام:

«المسلمون من قريش ويثرب ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم، أمة واحدة من دون الناس» .

وهو أول أساس لا بد منه لإقامة مجتمع إسلامي متماسك سليم.

ثانيا: يدلنا البند الثاني والثالث على أن من أهم سمات المجتمع الإسلامي ظهور معنى التكافل والتضامن فيما بين المسلمين بأجلى صوره وأشكاله، فهم جميعا مسؤولون عن بعضهم في شؤون دنياهم وآخرتهم. وإن عامة أحكام الشريعة الإسلامية إنما تقوم على أساس هذه المسؤولية، وتحدد الطرائق التنفيذية لمبدأ التكافل والتضامن فيما بين المسلمين.

ثالثا: يدل البند السابع على مدى الدقة في المساواة بين المسلمين لا من حيث أنها شعار براق للزينة والعرض، بل من حيث أنها ركن من الأركان الشرعية الهامة للمجتمع الإسلامي، يجب تطبيقه بأدق وجه وأتم صورة، وحسبك مظهرا لتطبيق هذه المساواة بين المسلمين ما قرره النبي صلّى الله عليه وسلم في هذا البند بقوله: «ذمة الله واحدة، يجير عليهم أدناهم» ومعنى ذلك أن ذمة المسلم أيا كان محترمة، وجواره محفوظ لا ينبغي أن يجار عليه فيه، فمن أدخل من المسلمين أحدا في جواره، فليس لغيره حاكما أو محكوما أن ينتهك حرمة جواره هذا، والمرأة المسلمة لا تختلف في هذا عن الرجل إطلاقا، فلجوارها- أيا كانت- من الحرمة ما لا يستطيع أن ينتهكه أي إنسان مهما علت رتبته وبلغت منزلته، وذلك بإجماع عامة العلماء، وأئمة المذاهب، غير أنه يشترط لذلك شروط معينة ذكرها الفقهاء كأن لا تكون إجارة تضر بالمسلمين كإجارة جاسوس، وأن تكون لعدد محصور، وأن تكون لمدة محدودة بحيث لا تزيد على أربعة أشهر «١٩» .


(١٩) راجع مغني المحتاج: ٤/ ٢٣٨

<<  <   >  >>