للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

روى الشيخان وغيرهما أن أم هانئ بنت أبي طالب ذهبت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم عام الفتح فقالت: «يا رسول الله زعم ابن أمي عليّ أنه قاتل رجلا أجرته: فلان ابن هبيرة، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ» .

وتستطيع أن تتأمل هذا فتعلم مدى الرفعة التي نالتها المرأة في حمى الإسلام وظله، وكيف أنها نالت كل حقوقها الإنسانية والاجتماعية كما نالها الرجل سواء بسواء، مما لم يحدث نظيره في أمة من الأمم.

غير أن المهم أن تعلم الفرق بين هذه المساواة الإنسانية الرائعة التي أرستها شريعة الإسلام، والمظاهر التقليدية لها مما ينادي به عشاق المدنية الحديثة اليوم. تلك شريعة من المساواة الدقيقة القائمة على الفطرة الإنسانية الأصيلة، يتوخى منها سعادة الناس كلهم نساء ورجالا، أفرادا وجماعات. وهذه نزوات حيوانية أصيلة يتوخى من ورائها اتخاذ المرأة مادة تسلية ورفاهية للرجل على أوسع نطاق ممكن، دون أي نظر إلى شيء آخر.

رابعا: يدلنا البند الثاني عشر على أن الحكم العدل الذي لا يجوز للمسلمين أن يهرعوا إلى غيره، في سائر خصوماتهم وخلافاتهم وشؤونهم إنما هو شريعة الله تعالى وحكمه، وهو ما تضمنه كتاب الله تعالى وسنة رسوله. ومهما بحثوا عن الحلول لمشكلاتهم في غير هذا المصدر فهم آثمون، معرضون أنفسهم للشقاء في الدنيا وعذاب الله تعالى في الآخرة.

تلك هي أربعة أحكام انطوت عليها هذه الوثيقة التي أقام عليها رسول الله صلّى الله عليه وسلم الدولة الإسلامية في المدينة، وجعلها منهاجا لسلوك المسلمين في مجتمعهم الجديد، وإن فيها لأحكاما هامة أخرى لا تخفى لدى التأمل والنظر فيها.

ومن تطبيق هذه الوثيقة، والاهتداء بما فيها، والتمسك بأحكامها، قامت تلك الدولة على أمتن ركن وأقوى أساس، ثم انتشرت قوية راسخة في شرق العالم وغربه تقدم للناس أروع ما عرفته الإنسانية من مظاهر الحضارة والمدنية الصحيحة.

<<  <   >  >>