للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ونحن نجمل هذه الدلائل والدروس فيما يلي:

١- يدلنا السبب الأول لغزوة بدر أن الدافع الأصلي لخروج المسلمين مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم، لم يكن القتال والحرب، وإنما كان الدافع قصد الاستيلاء على عير قريش القادمة من الشام تحت إشراف أبي سفيان، غير أن الله تبارك وتعالى أراد لعباده غنيمة أكبر، ونصرا أعظم، وعملا أشرف وأكثر انسجاما مع الغاية التي ينبغي أن يقصدها المسلم في حياته كلها، فأبعد عنهم العير التي كانوا يطلبونها، وأبدلهم بها نفيرا لم يكونوا يتوقعونه، وفي هذا دليل على أمرين:

الأمر الأول: أن عامة ممتلكات الحربيين تعدّ بالنسبة للمسلمين أموالا غير محترمة، فلهم أن يستولوا عليها ويأخذوا ما امتدت إليه أيديهم منها، وما وقع تحت يدهم من ذلك اعتبر ملكا لهم.

وهو حكم متفق عليه عند عامة الفقهاء، على أن للمهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأبنائهم في مكة عذرا آخر في القصد إلى أخذ عير قريش والاستيلاء عليها، وهو محاولة التعويض- أو شيء من التعويض- عن ممتلكاتهم التي بقيت في مكة واستولى عليها المشركون من ورائهم.

الأمر الثاني: أنه على الرغم من مشروعية هذا القصد، فإن الله تعالى أراد لعباده المؤمنين قصدا أرفع من ذلك وأليق بوظيفتهم التي خلقوا من أجلها، ألا وهي الدعوة إلى دين الله والجهاد في سبيل ذلك، والتضحية بالروح والمال في سبيل إعلاء كلمة الله، ومن هنا كان النصر العظيم حليف أبي سفيان في النجاة بتجارته، بمقدار ما كانت الهزيمة العظيمة حليف قريش في ميدان الجهاد بينهم وبين المسلمين. وإن هذه التربية الإلهية لنفوس المسلمين لتتجلى بأبرز صورها في قوله تعالى:

وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ، وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ، وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ [الأنفال ٨/ ٧] .

٢- وعندما نتأمل كيف يجلس رسول الله صلّى الله عليه وسلم إلى أصحابه ليشاورهم في الأمر الذي فوجئوا به بعد أن أفلت منهم العير وطلع عليهم النفير العظيم المدجج بالسلاح الكامل، نقف على دلالتين شرعيتين لكل منهما أهمية بالغة:

الدلالة الأولى: التزامه صلّى الله عليه وسلم بمبدأ التشاور مع أصحابه، وإذا استعرضنا حياته صلّى الله عليه وسلم، وجدنا أنه كان يلتزم هذا المبدأ في كل أمر لا نص فيه من كلام الله تعالى، مما له علاقة بالتدبير والسياسة الشرعية، ومن أجل هذا أجمع المسلمون على أن الشورى في كل ما لم يثبت فيه نص ملزم من كتاب أو سنّة، أساس تشريعي دائم لا يجوز إهماله. أما ما ثبت فيه نص من الكتاب أو حديث من السّنة أبرم به الرسول صلّى الله عليه وسلم حكمه، فلا شأن للشورى فيه ولا ينبغي أن يقضى عليه بأيّ سلطان.

<<  <   >  >>