للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

اللَّهِ «١٩» [النساء ٤/ ٨٨] . واقترح بعض الصحابة الاستعانة باليهود، بناء على ما بينهم من ميثاق التناصر فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «لا نستنصر بأهل الشرك على أهل الشرك» «٢٠» .

وعسكر النّبي صلّى الله عليه وسلم وأصحابه- وهم لا يزيدون على سبع مئة مقاتل- في الشعب من أحد، فجعل ظهور المسلمين إلى أحد واستقبلوا المدينة، وجعل على الجبل خلف المسلمين خمسين راميا، وأمّر عليهم عبد الله بن جبير وأوعز إليهم قائلا: «قوموا على مصافّكم هذه فاحموا ظهورنا، فإن رأيتمونا قد انتصرنا فلا تشركونا، وإن رأيتمونا نقتل فلا تنصرونا» «٢١» .

وألحّ كل من رافع بن خديج وسمرة بن جندب أن يشتركا مع النّبي صلّى الله عليه وسلم في القتال، وهما ابنا خمس عشرة سنة، فردّهما النّبي صلّى الله عليه وسلم لصغر سنّهما، فقيل له: «يا رسول الله إن رافعا رام، فأجازه، فجاء سمرة بن جندب يقول: فأنا والله أصرع رافعا، فأجازه هو أيضا» .

وأمسك النّبي صلّى الله عليه وسلم بسيف فقال: «من يأخذ هذا السيف بحقه؟ فأقبل أبو دجانة قائلا:

أنا آخذه بحقه، فأعطاه إياه، فأخرج أبو دجانة عصابة حمراء فعصب بها رأسه (وكان ذلك شأنه عند ما كان يريد أن يقاتل حتى الموت) ، ثم راح يتبختر بين الصفوف. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم:

إنها لمشية يبغضها الله إلا في مثل هذا الموطن» «٢٢» . ثم أعطى رسول الله صلّى الله عليه وسلم اللواء لمصعب بن عمير رضي الله عنه. وكان الذي يقود ميمنة المشركين خالد بن الوليد، وميسرتهم عكرمة بن أبي جهل.

فاقتتل الناس، وحميت الحرب، وراح المسلمون يحسون المشركين في اندفاع مذهل، وكان في مقدمة المبارزين والمقاتلين أبو دجانة، وحمزة بن عبد المطلب، ومصعب بن عمير.

وقتل مصعب بن عمير دون الرسول صلّى الله عليه وسلم فأخذ اللواء علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وما هو إلا أن أنزل الله نصره على المسلمين، فانكشف المشركون منهزمين لا يلوون على شيء ونساؤهم يدعون بالويل. وتبعهم المسلمون يقتلون ويغنمون. فتكلم الرماة الذين كانوا على الجبل في النزول، واختلفوا فيما بينهم، فنزل كثير منهم ظنّا منهم بأن الحرب قد وضعت أوزارها، وراحوا يأخذون مع أصحابهم الغنائم، وثبت رئيسهم عبد الله بن جبير مع عدد يسير قائلا:

لا أجاوز أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلم. ونظر خالد بن الوليد إلى خلاء الجبل وقلّة أهله، فكرّ راجعا


(١٩) صحيح البخاري: ٥/ ٣١
(٢٠) طبقات ابن سعد: ٣/ ٨٠، وروى ابن إسحاق نحوه: ٢/ ٦٥
(٢١) ابن سعد: ٣/ ٨٠، وابن هشام بألفاظ قريبة من هذه. وروى نحوه البخاري: ٥/ ٢٩
(٢٢) ابن هشام: ١/ ٢٣٣. وروى نحوه مسلم عن طريق حماد بن سلمة، إلا أنه لم يرد في مسلم: أنها لمشية يبغضها الله.. (انظر صحيح مسلم: ٧/ ١٥) .

<<  <   >  >>