للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بالخيل وتبعه عكرمة، فحملوا على من بقي من الرماة فقتلوهم وأميرهم، وأخذوا يهجمون على المسلمين من الخلف «٢٣» .

وحينئذ انكشف المسلمون وداخلهم الرعب، وأخذ المسلمون يقتتلون على غير شعار أو هدى، وأوجع المشركون في المسلمين قتالا ذريعا، حتى خلص إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فرمي بالحجارة حتى رمي لشقه، وأصيبت رباعيته (السّن المجاورة للنّاب) وشجّ في وجهه، وجعل الدم يسيل على وجهه فيمسحه وهو يقول: «كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيّهم وهو يدعوهم إلى ربّهم؟» ، وجاءت فاطمة رضي الله عنها تغسل عنه الدم وعليّ يسكب الماء بالمجن، فلما رأت أن الماء لا يزيد الدم إلّا كثرة أخذت قطعة حصير فأحرقته حتى صار رمادا ثم ألصقته بالجرح فاستمسك «٢٤» .

وأثناء ذلك شاع في الناس أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قد قتل، وكانت هذه الشائعة من أشدّ ما أدخل الرعب في قلوب بعض المسلمين، وهي التي جعلت ضعاف الإيمان يقولون: «فما مقامنا هنا إذا كان قد قتل الرسول؟» ، وذهبوا يولون الأدبار، وهي التي جعلت أنس بن النضر يقول: «بل ما فائدة حياتكم بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلم، ثم أشار إلى بعض المنافقين وإلى ضعاف الإيمان قائلا: اللهم إني أبرأ إليك مما يقول هؤلاء، وأعتذر إليك مما يقول هؤلاء، وانطلق فشدّ بسيفه على المشركين حتى قتل» «٢٥» .

وتجلّى في هذه الأثناء مظهر رائع للتضحية والفداء ممن كانوا حول رسول الله صلّى الله عليه وسلم من الصحابة فراحوا يقدمون أرواحهم رخيصة دون رسول الله صلّى الله عليه وسلم حتى قتل معظمهم.

روى البخاري أنه لما كان يوم أحد، انهزم الناس عن النّبي صلّى الله عليه وسلم، وأبو طلحة بين يدي النّبي صلّى الله عليه وسلم مجوّب عليه (مترّس بنفسه عليه) بجحفة له (ترس من جلد) ، وكان أبو طلحة رجلا راميا شديد النزع. يشرف النّبي صلّى الله عليه وسلم ينظر إلى القوم، فيقول أبو طلحة: «بأبي أنت وأمي لا تشرف، يصيبك سهم من سهام القوم، نحري دون نحرك» «٢٦» .

وترّس أبو دجانة نفسه دون رسول الله صلّى الله عليه وسلم، والنّبل يتلاحق في ظهره وهو منحن على رسول الله صلّى الله عليه وسلم لا يتحول. وترّس زياد بن السكن نفسه دون رسول الله صلّى الله عليه وسلم حتى قتل هو وخمسة من أصحابه، وكان آخرهم على ما رواه ابن هشام عمارة بن يزيد بن السكن، فقاتل دونه


(٢٣) طبقات ابن سعد: ٣/ ٨٣. ورواه البخاري عن البراء في كتاب الجهاد: ٥/ ٢٨
(٢٤) متفق عليه بألفاظ متقاربة.
(٢٥) متفق عليه.
(٢٦) البخاري: ٥/ ٣٣

<<  <   >  >>