للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومغباته.. وتلك هي أبرز سمات المنافقين: يريدون أن يأخذوا ما في الإسلام من مغانم، ويبتعدوا عما فيه من مغارم وأتعاب! .. وإنما الذي يمسكهم على الإسلام أحد شيئين: غنيمة يتوقعونها، أو مصائب ومحن يتوقونها.

ثالثا: أن النبي صلّى الله عليه وسلم لم يشأ أن يستعين بغير المسلمين في هذه الغزوة، على الرغم من قلة عدد المسلمين، وقال فيما روى ابن سعد في طبقاته: «لا نستنصر بأهل الشرك على أهل الشرك» «٢٩» .

وقد روى مسلم أن النبي صلّى الله عليه وسلم قال لرجل تبعه في يوم بدر ليقاتل معه: «أتؤمن بالله؟ قال: لا، قال: فارجع فلن أستعين بمشرك» .

وقد ذهب جمهور كبير من العلماء، بناء على هذا، إلى أنه لا يجوز الاستعانة بالكفار في القتال، وفصّل الإمام الشافعي في ذلك، فقال: «إن رأى الإمام أن الكافر حسن الرأي والأمانة في المسلمين وكانت الحاجة داعية إلى الاستعانة به جاز، وإلا فلا» «٣٠» .

ولعل هذا هو المتفق مع القواعد ومجموع الأدلة، إذ روي أنه عليه الصلاة والسلام قبل معونة صفوان بن أمية يوم حنين، والمسألة على ذلك داخلة في إطار ما يسمى بالسياسة الشرعية.

وسنذكر الفرق بين ما فعله الرسول في حنين وما فعله في كل من بدر وأحد، في مناسبته إن شاء الله.

رابعا: ومما يجدر التأمل فيه، حال سمرة بن جندب ورافع بن خديج، وهما طفلان لا يزيد عمر كل منهما على خمس عشرة سنة، وكيف جاءا يناشدان رسول الله صلّى الله عليه وسلم أن يسمح لهما بالاشتراك في القتال، وأي قتال؟!. قتال قائم على التأهب للموت، لا تجد فيه أي معنى من التعادل بين الفريقين: المسلمون وعددهم لا يزيد على سبع مئة، والمشركون وهم يتجاوزون ثلاثة آلاف مقاتل.

والعجيب حقا أن يقف بعض محترفي الغزو الفكري على مثل هذه الظاهرة، فيذهبوا في تحليلها إلى أن العرب كانوا أمة تعيش في ظل الحروب والغزوات الدائمة، فكانوا ينشؤون في أجوائها وظروفها، ولذلك كانوا ينظرون إليها (شيبا وشبانا وأطفالا) نظرة طبيعية لا تسبب لهم قدرا بالغا من المخاوف.

لا ريب أن أرباب هذا التحليل، يغمضون أعينهم في إصرار عجيب، أثناء هذا الكلام عن


(٢٩) قد يقال: إن هؤلاء الذين عرضوا مشاركتهم مع المسلمين في القتال يهود من أهل الكتاب، فكيف سماهم الرسول أهل الشرك. والجواب: أن إطلاق الشرك عليهم بمعنى غير المعنى الاصطلاحي الذي يطلق على الوثنيين من العرب وللشرك معنى عام يعتبر قدرا مشتركا يصدق على جميع الكافرين.
(٣٠) انظر مغني المحتاج: ٤/ ٢٢١

<<  <   >  >>